Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 24, Ayat: 3-3)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الحكم الثاني قرىء { لاَ يَنكِحُ } بالجزم عن النهي ، وقرىء { وَحَرَّمَ } بفتح الحاء ثم إن في الآية سؤالات : السؤال الأول : قوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً } ظاهره خبر ، ثم إنه ليس الأمر كما يشعر به هذا الظاهر ، لأنا نرى أن الزاني قد ينكح المؤمنة العفيفة والزانية قد ينكحها المؤمن العفيف . السؤال الثاني : أنه قال : { وَحُرّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } وليس كذلك ، فإن المؤمن يحل له التزوج بالمرأة الزانية والجواب : اعلم أن المفسرين لأجل هذين السؤالين ذكروا وجوهاً : أحدها : وهو أحسنها ، ما قاله القفال : وهو أن اللفظ وإن كان عاماً لكن المراد منه الأعم الأغلب ، وذلك لأن الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا والفسق لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء ، وإنما يرغب في فاسقة خبيثة مثله أو في مشركة ، والفاسقة الخبيثة لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها ، وإنما يرغب فيها من هو من جنسها من الفسقة والمشركين ، فهذا على الأعم الأغلب كما يقال لا يفعل الخير إلا الرجل التقي ، وقد يفعل بعض الخير من ليس بتقي فكذا ههنا . وأما قوله : { وَحُرّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } فالجواب من وجهين : أحدهما : أن نكاح المؤمن الممدوح عند الله الزانية ورغبته فيها ، وانخراطه بذلك في سلك الفسقة المتسمين بالزنا محرم عليه ، لما فيه من التشبه بالفساق وحضور مواضع التهمة ، والتسبب لسوء المقالة فيه والغيبة . ومجالسة الخاطئين كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام ، فكيف بمزاوجة الزواني والفجار الثاني : وهو أن صرف الرغبة بالكلية إلى الزواني وترك الرغبة في الصالحات محرم على المؤمنين ، لأن قوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } معناه أن الزاني لا يرغب إلا في الزانية فهذا الحصر محرم على المؤمنين ، ولا يلزم من حرمة هذا الحصر حرمة التزوج بالزانية ، فهذا هو المعتمد في تفسير الآية : الوجه الثاني : أن الألف واللام في قوله : { ٱلزَّانِي } وفي قوله : { وَحُرّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } وإن كان للعموم ظاهراً لكنه ههنا مخصوص بالأقوام الذين نزلت هذه الآية فيهم ، قال مجاهد وعطاء بن أبي رباح وقتادة ، قدم المهاجرون المدينة وفيهم فقراء ليس لهم أموال ولا عشائر ، وبالمدينة نساء بغايا يكرين أنفسهن وهن يومئذ أخصب أهل المدينة ، ولكل واحدة منهن علامة على بابها كعلامة البيطار ، ليعرف أنها زانية ، وكان لا يدخل عليها إلا زان أو مشرك فرغب في كسبهن ناس من فقراء المسلمين ، وقالوا نتزوج بهن إلى أن يغنينا الله عنهن ، فاستأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية فتقدير الآية أولئك الزواني لا ينكحون إلا تلك الزانيات ، وتلك الزانيات لا ينكحهن إلا أولئك الزواني وحرم نكاحهن على المؤمنين الوجه الثالث : في الجواب أن قوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } وإن كان خبراً في الظاهر ، لكن المراد النهي ، والمعنى أن كل من كان زانياً فلا ينبغي أن ينكح إلا زانية وحرم ذلك على المؤمنين . وهكذا كان الحكم في ابتداء الإسلام ، وعلى هذا الوجه ذكروا قولين : أحدهما : أن ذلك الحكم باق إلى الآن حتى يحرم على الزاني والزانية التزوج بالعفيفة والعفيف وبالعكس ويقال هذا مذهب أبي بكر وعمر وعلي وابن مسعود وعائشة ، ثم في هؤلاء من يسوي بين الابتداء والدوام . فيقول كما لا يحل للمؤمن أن يتزوج بالزانية فكذلك لا يحل له إذا زنت تحته أن يقيم عليها ، ومنهم من يفصل لأن في جملة ما يمنع من التزويج ما لا يمنع من دوام النكاح كالإحرام والعدة . والقول الثاني : أن هذا الحكم صار منسوخاً واختلفوا في ناسخه ، فعن الجبائي أن ناسخه هو الإجماع وعن سعيد بن المسيب أنه منسوخ بعموم قوله تعالى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مّنَ ٱلنّسَاء } [ النساء : 3 ] { وَأَنْكِحُواْ ٱلأَيَـٰمَىٰ } [ النور : 32 ] قال المحققون هذان الوجهان ضعيفان أما الأول : فلأنه ثبت في أصول الفقه أن الإجماع لا ينسخ ولا ينسخ به ، وأيضاً فالإجماع الحاصل عقيب الخلاف لا يكون حجة ، والإجماع في هذه المسألة مسبوق بمخالفة أبي بكر وعمر وعلي فكيف يصح ؟ وأما قوله تعالى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ } فهو لا يصح أن يكون ناسخاً ، لأنه لا بد من أن يشترط فيه أن لا يكون هناك مانع من النكاح من سبب أو نسب أو غيرهما ، ولقائل أن يقول لا يدخل فيه تزويج الزانية من المؤمن ، كما لا يدخل فيه تزويجها من الأخ وابن الأخ ، ونقول إن للزنا تأثيراً في الفرقة ما ليس لغيره ، ألا ترى أنه إذا قذفها بالزنا يتبعها بالفرقة على بعض الوجوه ، ولا يجب مثل ذلك في سائر ما يوجب الحد ، ولأن من حق الزنا أن يورث العار ويؤثر في الفراش ففارق غيره . ثم احتج هؤلاء الذين يدعون هذا النسخ ، بأنه سئل ابن عباس رضي الله عنهما عن رجل زنى بامرأة فهل له أن يتزوجها ؟ فأجازه ابن عباس وشبهه بمن سرق ثمر شجرة ثم اشتراه ، وعن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن ذلك فقال : " " أوله سفاح وآخره نكاح " " والحرام لا يحرم الحلال . الوجه الرابع : أن يحمل النكاح على الوطء والمعنى أن الزاني لا يطأ حين يزني إلا زانية أو مشركة وكذا الزانية { وَحُرّمَ ذٰلِكَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } أي وحرم الزنا على المؤمنين وعلى هذا تأويل أبي مسلم ، قال الزجاج هذا التأويل فاسد من وجهين : الأول : أنه ما ورد النكاح في كتاب الله تعالى إلا بمعنى التزويج ، ولم يرد ألبتة بمعنى الوطء الثاني : أن ذلك يخرج الكلام عن الفائدة ، لأنا لو قلنا المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية فالإشكال عائد ، لأنا نرى أن الزاني قد يطأ العفيفة حين يتزوج بها ولو قلنا المراد أن الزاني لا يطأ إلا الزانية حين يكون وطؤه زنا فهذا الكلام لا فائدة فيه ، وهذا آخر الكلام في هذا المقام . السؤال الثالث : أي فرق بين قوله : { ٱلزَّانِي لاَ يَنكِحُ إِلاَّ زَانِيَةً } وبين قوله : { وَٱلزَّانِيَةُ لاَ يَنكِحُهَا إِلاَّ زَانٍ } ؟ والجواب : الكلام الأول يدل على أن الزاني لا يرغب إلا في نكاح الزانية وهذا لا يمنع من أن يرغب في نكاح الزانية غير الزاني فلا جرم بين ذلك بالكلام الثاني . السؤال الرابع : لم قدمت الزانية على الزاني في الآية المتقدمة وههنا بالعكس الجواب : سبقت تلك الآية لعقوبتها على جنايتها ، والمرأة هي المادة في الزنا ، وأما الثانية فمسوقة لذكر النكاح والرجل أصل فيه لأنه هو الراغب والطالب .