Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 47-50)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه سبحانه لما ذكر دلائل التوحيد أتبعه بذم قوم اعترفوا بالدين بألسنتهم ولكنهم لم يقبلوه بقلوبهم وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال مقاتل : نزلت هذه الآية في بشر المنافق وكان قد خاصم يهودياً في أرض وكان اليهودي يجره إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ليحكم بينهما ، وجعل المنافق يجره إلى كعب بن الأشرف ، ويقول إن محمداً يحيف علينا وقد مضت قصتهما في سورة النساء ، وقال الضحاك : نزلت في المغيرة بن وائل كان بينه وبين علي بن أبي طالب أرض فتقاسما فوقع إلى علي منها ما لا يصيبه الماء إلا بمشقة ، فقال المغيرة بعني أرضك فباعها إياه وتقابضا فقيل للمغيرة أخذت سبخة لا ينالها الماء . فقال لعلي اقبض أرضك فإنما اشتريتها إن رضيتها ولم أرضها فلا ينالها الماء فقال علي بل اشتريتها ورضيتها وقبضتها وعرفت حالها لا أقبلها منك ، ودعاه إلى أن يخاصمه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال المغيرة أما محمد فلست آتيه ولا أحاكم إليه فإنه يبغضني وأنا أخاف أن يحيف علي فنزلت هذه الآية ، وقال الحسن نزلت هذه الآية في المنافقين الذين كانوا يظهرون الإيمان ويسرون الكفر . المسألة الثانية : قوله : { وَيِقُولُونَ امَنَّا } إلى قوله : { وَمَا أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } يدل على أن الإيمان لا يكون بالقول إذ لو كان به لما صح أن ينفي كونهم مؤمنين . وقد فعلوا ما هو إيمان في الحقيقة ، فإن قيل إنه تعالى حكى عن كلهم أنهم يقولون آمنا ، ثم حكى عن فريق منهم التولي فكيف يصح أن يقول في جميعهم { وَمَا أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } مع أن الذي تولى منهم هو البعض ؟ قلنا إن قوله : { وَمَا أُوْلَـٰئِكَ بِٱلْمُؤْمِنِينَ } راجع إلى الذين تولوا لا إلى الجملة الأولى ، وأيضاً فلو رجع إلى الأول يصح ويكون معنى قوله : { ثُمَّ يَتَوَلَّىٰ فَرِيقٌ مّنْهُمْ } أي يرجع هذا الفريق إلى الباقين منهم فيظهر بعضهم لبعض الرجوع عما أظهروه ، ثم بين سبحانه أنهم إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون ، وهذا ترك للرضا بحكم الرسول ، ونبه بقوله تعالى : { وَإِن يَكُنْ لَّهُمُ ٱلْحَقُّ يَأْتُواْ إِلَيْهِ مُذْعِنِينَ } على أنهم إنما يعرضون متى عرفوا الحق لغيرهم أوشكوا فأما إذا عرفوه لأنفسهم عدلوا عن الإعراض بل سارعوا إلى الحكم وأذعنوا ببذل الرضا ، وفي ذلك دلالة على أنه ليس بهم اتباع الحق ، وإنما يريدون النفع المعجل ، وذلك أيضاً نفاق . أما قوله تعالى : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ أَمِ ٱرْتَابُواْ أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَسُولُهُ } ففيه سؤالات : السؤال الأول : كلمة أم للاستفهام وهو غير جائز على الله تعالى والجواب : اللفظ استفهام ومعناه الخبر كما قال جرير : @ ألستم خير من ركب المطايا وأندى العالمين بطون راح @@ السؤال الثاني : أنهم لو خافوا أن يحيف الله عليهم فقد ارتابوا في الدين وإذ ارتابوا ففي قلوبهم مرض ، فالكل واحد ، فأي فائدة في التعديد ؟ الجواب : قوله : { أَفِي قُلُوبِهِمْ مَّرَضٌ } إشارة إلى النفاق وقوله : { أَمِ ٱرْتَابُواْ } إشارة إلى أنه حدث هذا الشك والريب بعد تقرير الإسلام في القلب ، وقوله : { أَمْ يَخَافُونَ أَن يَحِيفَ ٱللَّهُ عَلَيْهِمْ } إشارة إلى أنهم بلغوا في حب الدنيا إلى حيث يتركون الدين بسببه . السؤال الثالث : هب أن هذه الثلاثة متغايرة ولكنها متلازمة فكيف أدخل عليها كلمة أم ؟ الجواب : الأقرب أنه تعالى ذمهم على كل واحد من هذه الأوصاف فكان في قلوبهم مرض وهو النفاق ، وكان فيها شك وارتياب ، وكانوا يخافون الحيف من الرسول عليه الصلاة والسلام وكل واحد من ذلك كفر ونفاق ، ثم بين تعالى بقوله : { بَلْ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } بطلان ما هم عليه لأن الظلم يتناول كل معصية كما قال تعالى : { إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] إذ المرء لا يخلو من أن يكون ظالماً لنفسه أو ظالماً لغيره ، ويمكن أن يقال أيضاً لما ذكر تعالى في الأقسام كونهم خائفين من الحيف ، أبطل ذلك بقوله : { بَلْ أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ } أي لا يخافون أن يحيف الرسول عليه الصلاة والسلام عليهم لمعرفتهم بأمانته وصيانته وإنما هم ظالمون يريدون أن يظلموا من له الحق عليهم وهم له جحود ، وذلك شيء لا يستطيعونه في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم يأبون المحاكمة إليه .