Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 141-159)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القصة الخامسة قصة صالح عليه السلام اعلم أن صالحاً عليه السلام خاطب قومه بأمور : أحدها : قوله : { أَتُتْرَكُونَ فِيمَا هَـٰهُنَا ءامِنِينَ } أي أتظنون أنكم تتركون في دياركم آمنين وتطمعون في ذلك وأن لا دار للمجازاة . وقوله : { فِيمَا هَـٰهُنَا ءامِنِينَ } في الذي استقر في هذا المكان من النعيم ، ثم فسره بقوله : { فِى جَنَّـٰتٍ وَعُيُونٍ } وهذا أيضاً إجمال ثم تفصيل ، فإن قيل : لم قال { وَنَخْلٍ } بعد قوله : { فِي جَنَّـٰتِ } والجنة تتناول النخل جوابه من وجهين : الأول : أنه خص النخل بإفراده بعد دخوله في جملة سائر الشجر تنبيهاً على فضله على سائر الأشجار والثاني : أن يراد بالجنات غيرها من الشجر ، لأن اللفظ يصلح لذلك ، ثم يعطف عليها النخل ، والطلع هو الذي يطلع من النخلة كنصل السيف في جوفه شماريخ ، والهضيم اللطيف أيضاً من قولهم : كشح هضيم ، وقيل الهضيم اللين النضيج كأنه قال : ونخل قد أرطب ثمره وثانيها : قوله تعالى : { وَتَنْحِتُونَ مِنَ ٱلْجِبَالِ بُيُوتاً فَـٰرِهِينَ } قرأ الحسن { وَتَنْحِتُونَ } بفتح الحاء ، وقرىء { فَـٰرِهِينَ } و { فَـرِهِينَ } والفراهة الكيس والنشاط ، فقوله : { فَـٰرِهِينَ } حال من الناحيتين . واعلم أن ظاهر هذه الآيات يدل على أن الغالب على قوم هود هو اللذات الحالية ، وهي طلب الاستعلاء والبقاء والتفرد والتجبر ، والغالب على قوم صالح هو اللذات الحسية ، وهي طلب المأكول والمشروب والمساكن الطيبة الحصينة وثالثها : قوله تعالى : { وَلاَ تُطِيعُواْ أَمْرَ ٱلْمُسْرِفِينَ } وهذا إشارة إلى أنه يجب الاكتفاء من الدنيا بقدر الكفاف ، ولا يجوز التوسع في طلبها والاستكثار من لذاتها وشهواتها ، فإن قيل ما فائدة قوله : { وَلاَ يُصْلِحُونَ } جوابه : فائدته بيان أن فسادهم فساد خالص ليس معه شيء من الصلاح ، كما يكون حال بعض المفسدين مخلوطة ببعض الصلاح ، ثم إن القوم أجابوه من وجهين : أحدهما : قولهم : { إِنَّمَا أَنتَ مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } وفيه وجوه : أحدها : المسحر هو الذي سحر كثيراً حتى غلب على عقله وثانيها : { مِنَ ٱلْمُسَحَّرِينَ } أي من له سحر ، وكل دابة تأكل فهي مسحرة ، والسحر أعلى البطن ، وعن الفراء المسحر من له جوف ، أراد أنك تأكل الطعام وتشرب الشراب وثالثها : عن المؤرج المسحر هو المخلوق بلغة بجيلة وثانيهما : قولهم : { مَا أَنتَ إِلاَّ بَشَرٌ مّثْلُنَا فَأْتِ بِـئَايَةٍ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } وهذا يحتمل أمرين : الأول : أنك بشر مثلنا فكيف تكون نبياً ؟ وهذا بمنزلة ما كانوا يذكرون في الأنبياء أنهم لو كانوا صادقين ، لكانوا من جنس الملائكة الثاني : أن يكون مرادهم إنك بشر مثلنا ، فلا بد لنا في إثبات نبوتك من الدليل ، فقال صالح عليه السلام : { هَـٰذِهِ نَاقَةٌ لَّهَا شِرْبٌ } وقرىء بالضم ، روي أنهم قالوا : نريد ناقة عشراء تخرج من هذه الصخرة فتلد سقباً ، فقعد صالح يتفكر ، فقال له جبريل عليه السلام : صل ركعتين وسل ربك الناقة ، ففعل فخرجت الناقة وبركت بين أيديهم وحصل لها سقب مثلها في العظم ، ووصاهم صالح عليه السلام بأمرين : الأول : قوله : { لَّهَا شِرْبٌ وَلَكُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ } قال قتادة : إذا كان يوم شربها شربت ماءهم كله ، وشربهم في اليوم الذي لا تشرب هي والثاني : قوله : { وَلاَ تَمَسُّوهَا بِسُوء } أي بضرب أو عقر أو غيرهما { فَيَأْخُذَكُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَظِيمٍ } عظم اليوم لحلول العذاب فيه ، ووصف اليوم به أبلغ من وصف العذاب ، لأن الوقت إذا عظم بسببه كان موقعه من العظم أشد ، ثم إن الله تعالى حكى عنهم أنهم عقروها . روي أن مصدعاً ألجأها إلى مضيق في شعب فرماها بسهم فأصاب رجلها فسقطت ، ثم ضربها قدار ، فإن قيل لم أخذهم العذاب وقد ندموا جوابه من وجهين : الأول : أنه لم يكن ندمهم ندم التائبين ، لكن ندم الخائفين من العذاب العاجل الثاني : أن الندم وإن كان ندم التائبين ، ولكن كان ذلك في غير وقت التوبة ، بل عند معاينة العذاب ، وقال تعالى : { وَلَيْسَتِ ٱلتَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ ٱلسَّيّئَـٰتِ } [ النساء : 18 ] الآية . واللام في العذاب إشارة إلى عذاب يوم عظيم .