Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 214-220)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه سبحانه لما بالغ في تسلية رسوله أولاً ، ثم أقام الحجة على نبوته ، ثانياً ثم أورد سؤال المنكرين ، وأجاب عنه ثالثاً ، أمره بعد ذلك بما يتعلق بباب التبليغ والرسالة وهو ههنا أمور ثلاثة : الأول : قوله : { وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ ٱلاْقْرَبِينَ } وذلك لأنه تعالى بدأ بالرسول فتوعده إن دعا مع الله إلهاً آخر ، ثم أمره بدعوة الأقرب فالأقرب ، وذلك لأنه إذا تشدد على نفسه أولاً ، ثم بالأقرب فالأقرب ثانياً ، لم يكن لأحد فيه طعن ألبتة وكان قوله أنفع وكلامه أنجع ، وروي " " أنه لما نزلت هذه الآية صعد الصفا فنادى الأقرب فالأقرب وقال : يا بني عبد المطلب ، يا بني هاشم ، يا بني عبد مناف ، يا عباس عم محمد ، يا صفية عمة محمد إني لا أملك لكم من الله شيئاً ، سلوني من المال ما شئتم " " وروي " " أنه جمع بني عبد المطلب وهم يومئذ أربعون رجلاً على رجل شاة وقعب من لبن ، وكان الرجل منهم يأكل الجذعة ويشرب العس ، فأكلوا وشربوا ، ثم قال يا بني عبد المطلب لو أخبرتكم أن بسفح هذا الجبل خيلاً ، أكنتم مصدقي ؟ قالوا نعم فقال : إني نذير لكم بين يدي عذاب شديد " " الثاني : قوله : { وَٱخْفِضْ جَنَاحَكَ } واعلم أن الطائر إذا أراد أن ينحط للوقوع كسر جناحه وخفضه ، وإذا أراد أن ينهض للطيران رفع جناحه فجعل خفض جناحه عند الانحطاط مثلاً في التواضع ولين الجانب ، فإن قيل المتبعون للرسول هم المؤمنون وبالعكس فلم قال : { لِمَنِ ٱتَّبَعَكَ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ } ؟ جوابه : لا نسلم أن المتبعين للرسول هم المؤمنون فإن كثيراً منهم كانوا يتبعونه للقرابة والنسب لا للدين . فأما قوله : { فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنّى بَرِىء مّمَّا تَعْمَلُونَ } فمعناه ظاهر ، قال الجبائي هذا يدل على أنه عليه السلام كان بريئاً من معاصيهم ، وذلك يوجب أن الله تعالى أيضاً بريء من عملهم كالرسول وإلا كان مخالفاً لله ، كما لو رضي عمن سخط الله عليه لكان كذلك ، وإذا كان تعالى بريئاً من عملهم فكيف يكون فاعلاً له ومريداً له ؟ الجواب : أنه تعالى بريء من المعاصي بمعنى أنه ما أمر بها بل نهى عنها ، فأما بمعنى أنه لا يريدها فلا نسلم والدليل عليه أنه علم وقوعها ، وعلم أن ما هو معلوم الوقوع فهو واجب الوقوع وإلا لانقلب علمه جهلاً وهو محال والمفضي إلى المحال محال ، وعلم أن ما هو واجب الوقوع فإنه لا يراد عدم وقوعه فثبت ما قلناه والثالث : قوله : { وَتَوَكَّلْ } والتوكل عبارة عن تفويض الرجل أمره إلى من يملك أمره ويقدر على نفعه وضره ، وقوله : { عَلَى ٱلْعَزِيزِ ٱلرَّحِيمِ } أي على الذي يقهر أعداءك بعزته وينصرك عليهم برحمته ثم أتبع كونه رحيماً على رسوله ما هو كالسبب لتلك الرحمة ، وهو قيامه وتقلبه في الساجدين وفيه وجوه : أحدها : المراد ما كان يفعله في جوف الليل من قيامه للتهجد وتقلبه في تصفح أحوال المجتهدين ليطلع على أسرارهم ، كما يحكى أنه حين نسخ فرض قيام الليل طاف تلك الليلة ببيوت أصحابه لينظر ما يصنعون لحرصه على ما يوجد منهم من الطاعات ، فوجدها كبيوت الزنابير لما يسمع منها من دندنتهم بذكر الله تعالى والمراد بالساجدين المصلين وثانيها : المعنى يراك حين تقوم للصلاة بالناس جماعة وتقلبه في الساجدين تصرفه فيما بينهم بقيامه وركوعه وسجوده وقعوده إذ كان إماماً لهم وثالثها : أنه لا يخفى عليه حالك كلما قمت وتقلبت مع الساجدين في كفاية أمور الدين ورابعها : المراد تقلب بصره فيمن يصلي خلفه من قوله صلى الله عليه وسلم : " " أتموا الركوع والسجود فوالله إني لأراكم من خلفي " " ثم قال : { إِنَّهُ هُوَ ٱلسَّمِيعُ } أي لما تقوله { ٱلْعَلِيمُ } أي بما تنويه وتعمله ، وهذا يدل عى أن كونه سميعاً أمر مغاير لعلمه بالمسموعات وإلا لكان لفظ العليم مفيداً فائدته . واعلم أنه قرىء { ونقلبك } . واعلم أن الرافضة ذهبوا إلى أن آباء النبي صلى الله عليه وسلم كانوا مؤمنين وتمسكوا في ذلك بهذه الآية وبالخبر ، أما هذه الآية فقالوا قوله تعالى : { وَتَقَلُّبَكَ فِى ٱلسَّـٰجِدِينَ } يحتمل الوجوه التي ذكرتم ويحتمل أن يكون المراد أن الله تعالى نقل روحه من ساجد إلى ساجد كما نقوله نحن ، وإذا احتمل كل هذه الوجوه وجب حمل الآية على الكل ضرورة أنه لا منافاة ولا رجحان ، وأما الخبر فقوله عليه السلام : " " لم أزل أنقل من أصلاب الطاهرين إلى أرحام الطاهرات " " وكل من كان كافراً فهو نجس لقوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ } [ التوبة : 28 ] قالوا : فإن تمسكتم على فساد هذا المذهب بقوله تعالى : { وَإِذْ قَالَ إِبْرٰهِيمُ لأَبِيهِ ءازَرَ } [ الأنعام : 74 ] قلنا الجواب عنه أن لفظ الأب قد يطلق على العم كما قال أبناء يعقوب له : { نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرٰهِيمَ وَإِسْمَـٰعِيلَ وَإِسْحَـٰقَ } [ البقرة : 133 ] فسموا إسماعيل أباً له مع أنه كان عماً له ، وقال عليه السلام : " " ردوا على أبي " " يعني العباس ، ويحتمل أيضاً أن يكون متخذاً لأصنام أب أمه فإن هذا قد يقال له الأب قال تعالى : { وَمِن ذُرّيَّتِهِ دَاوُودُ وَسُلَيْمَـٰنَ } [ الأنعام : 84 ] إلى قوله : { وَعِيسَى } [ الأنعام : 85 ] فجعل عيسى من ذرية إبراهيم مع أن إبراهيم كان جده من قبل الأم . واعلم أنا نتمسك بقوله تعالى : { لأَبِيهِ ءازَرَ } وما ذكروه صرف للفظ عن ظاهره ، وأما حمل قوله : { وَتَقَلُّبَكَ فِى ٱلسَّـٰجِدِينَ } على جميع الوجوه فغير جائز لما بينا أن حمل المشترك على كل معانيه غير جائز ، وأما الحديث فهو خبر واحد فلا يعارض القرآن .