Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 26, Ayat: 5-9)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
المسألة الأولى : قوله : { وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ إِلاَّ كَانُواْ عَنْهُ مُعْرِضِينَ } من تمام قوله : { إِن نَّشَأْ نُنَزّلْ عَلَيْهِمْ } [ الشعراء : 4 ] فنبه تعالى على أنه مع قدرته على أن يجعلهم مؤمنين بالإلجاء رحيم بهم من حيث يأتيهم حالاً بعد حال بالقرآن ، وهو الذكر ويكرره عليهم وهم مع ذلك على حد واحد في الإعراض والتكذيب والاستهزاء ، ثم عند ذلك زجر وتوعد لأن المرء إذا استمر على كفره فليس ينفع فيه إلا الزجر الشديد فلذلك قال : { فَقَدْ كَذَّبُواْ } أي بلغوا النهاية في رد آيات الله تعالى { فَسَيَأْتِيهِمْ أَنبَـٰؤُا مَا كَانُواْ به يستهزئون } وذلك إما عند نزول العذاب عليهم في الدنيا أو عند المعاينة أو في الآخرة ، فهو كقوله تعالى : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } [ ص : 88 ] وقد جرت العادة فيمن يسيء أن يقال له سترى حالك من بعد على وجه الوعيد ، ثم إنه تعالى بين أنه مع إنزاله القرآن حالاً بعد حال قد أظهر أدلة تحدث حالاً بعد حال فقال : { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ إِلَى ٱلأَرْضِ كَمْ أَنبَتْنَا فِيهَا مِن كُلّ زَوْجٍ كَرِيمٍ } والزوج هو الصنف من النبات والكريم صفة لكل ما يرضى ويحمد في بابه ، يقال وجه كريم إذا كان مرضياً في حسنه وجماله . وكتاب كريم إذا كان مرضياً في فوائده ومعانيه ، والنبات الكريم هو المرضي فيما يتعلق به من المنافع ، وفي وصف الزوج بالكريم وجهان : أحدهما : أن النبات على نوعين نافع وضار ، فذكر سبحانه كثرة ما أنبت في الأرض من جميع أصناف النبات النافع وترك ذكر الضار والثاني : أنه يعم جميع النبات نافعه وضاره ووصفهما جميعاً بالكرم ، ونبه على أنه ما أنبت شيئاً إلا وفيه فائدة وإن غفل عنها الغافلون . أما قوله : { إِنَّ فِي ذَلِكَ لأَيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُمْ مُّؤْمِنِينَ } فهو كقوله : { هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 2 ] والمعنى أن في ذلك دلالة لمن يتفكر ويتدبر وما كان أكثرهم مؤمنين أي مع كل ذلك يستمر أكثرهم على كفرهم ، فأما قوله : { وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } فإنما قدم ذكر العزيز على ذكر الرحيم لأنه لو لم يقدمه لكان ربما قيل إنه رحمهم لعجزه عن عقوبتهم ، فأزال هذا الوهم بذكر العزيز وهو الغالب القاهر ، ومع ذلك فإنه رحيم بعباده ، فإن الرحمة إذا كانت عن القدرة الكاملة كانت أعظم وقعاً . والمراد أنهم مع كفرهم وقدرة الله على أن يعجل عقابهم لا يترك رحمتهم بما تقدم ذكره من خلق كل زوج كريم من النبات ، ثم من إعطاء الصحة والعقل والهداية . المسألة الثانية : أنه تعالى وصف الكفار بالإعراض أولاً وبالتكذيب ثانياً وبالاستهزاء ثالثاً وهذه درجات من أخذ يترقى في الشقاوة ، فإنه يعرض أولاً ثم يصرح بالتكذيب والإنكار إلى حيث يستهزىء به ثالثاً . المسألة الثالثة : فإن قلت ما معنى الجمع بين كم وكل ، ولم لم يقل كم أنبتنا فيها من زوج كريم ؟ قلت : قد دل كل على الإحاطة بأزواج النبات على سبيل التفصيل وكم على أن هذا المحيط متكاثر مفرط الكثرة ، فهذا معنى الجمع رتبه على كمال قدرته ، فإن قلت : فحين ذكر الأزواج ودل عليها بكلمتي الكثرة والإحاطة وكانت بحيث لا يحصيها إلا عالم الغيب فكيف قال : { إِنَّ فِى ذَلِكَ لآيَةً } وهلا قال لآيات ؟ قلت فيه وجهان : أحدهما : أن يكون ذلك مشاراً به إلى مصدر أنبتنا ، فكأنه قال إن في ذلك الإنبات لآية أي آية والثاني : أن يراد أن في كل واحد من تلك الأزواج لآية . المسألة الرابعة : احتجت المعتزلة على خلق القرآن بقوله تعالى : { وَمَا يَأْتِيهِم مّن ذِكْرٍ مّنَ ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ } فقالوا الذكر هو القرآن لقوله تعالى : { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ } [ الأنبياء : 50 ] وبين في هذه الآية أن الذكر محدث فيلزم من هاتين الآيتين أن القرآن محدث ، وهذا الاستدلال بقوله تعالى : { ٱللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ ٱلْحَدِيثِ كِتَـٰباً } [ الزمر : 23 ] وبقوله : { فَبِأَيّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ } [ المرسلات : 50 ] وإذا ثبت أنه محدث فله خالق فيكون مخلوقاً لا محالة والجواب : أن كل ذلك يرجع إلى هذه الألفاظ ونحن نسلم حدوثها إنما ندعي قدم أمر آخر وراء هذه الحروف ، وليس في الآية دلالة على ذلك .