Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 27, Ayat: 1-3)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن قوله : { تِلْكَ } إشارة إلى آيات السورة والكتاب المبين هو اللوح المحفوظ وإبانته أنه قد خط فيه كل ما هو كائن ، فالملائكة الناظرون فيه يبينون الكائنات ، وإنما نكر الكتاب المبين ليصير مبهماً بالتنكير فيكون أفخم له كقوله : { فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ } [ القمر : 55 ] وقرأ ابن أبي عبلة { وَكِتَـٰبٌ مُّبِينٌ } بالرفع على تقدير وآيات كتاب مبين فحذف المضاف وأقيم المضاف إليه مقامه ، فإن قلت : ما الفرق بين هذا وبين قوله : { الرَ تِلْكَ ءايَـٰتُ ٱلْكِتَـٰبِ وَقُرْءانٍ مُّبِينٍ } [ الحجر : 1 ] ؟ قلت : لا فرق لأن واو العطف لا تقتضي الترتيب . أما قوله : { هُدًى وَبُشْرَىٰ لِلْمُؤْمِنِينَ } فهو في محل النصب أو الرفع فالنصب على الحال أي هادية ومبشرة ، والعامل فيها ما في تلك من معنى الإشارة ، والرفع على ثلاثة أوجه على معنى هي هدى وبشرى ، وعلى البدل من الآيات ، وعلى أن يكون خبراً بعد خبر ، أي جمعت آياتها آيات الكتاب وأنها هدى وبشرى ، واختلفوا في وجه تخصيص الهدى بالمؤمنين على وجهين : الأول : المراد أنه يهديهم إلى الجنة وبشرى لهم كقوله تعالى : { فَسَيُدْخِلُهُمْ فِى رَحْمَةٍ مَّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرٰطاً مُّسْتَقِيماً } [ النساء : 175 ] فلهذا اختص به المؤمنون الثاني : المراد بالهدى الدلالة ثم ذكروا في تخصيصه بالمؤمنين وجوهاً : أحدها : أنه إنما خصه بالمؤمنين لأنه ذكر مع الهدى البشرى ، والبشرى إنما تكون للمؤمنين وثانيها : أن وجه الاختصاص أنهم تمسكوا به فخصهم بالذكر كقوله : { إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرُ مَن يَخْشَـٰهَا } [ النازعات : 45 ] ، وثالثها : المراد من كونها { هُدًى لِلْمُؤْمِنِينَ } أنها زائدة في هداهم ، قال تعالى : { وَيَزِيدُ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱهْتَدَواْ هُدًى } [ مريم : 76 ] . أما قوله : { ٱلَّذِينَ يُقِيمُونَ ٱلصَّلَوٰةَ } فالأقرب أنها الصلوات الخمس لأن التعريف بالألف واللام يقتضي ذلك ، وإقامة الصلاة أن يؤتى بها بشرائطها ، وكذا القول في الزكاة فإنها هي الواجبة ، وإقامتها وضعها في حقها . أما قوله : { وَهُم بِٱلأَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } ففيه سؤال وهو : أن المؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة لا بد وأن يكونوا متيقنين بالآخرة ، فما الوجه من ذكره مرة أخرى ؟ جوابه من وجهين : الأول : أن يكون من جملة صلة الموصول ، ثم فيه وجهان : الأول : أن كمال الإنسان في أن يعرف الحق لذاته ، والخبر لأجل العمل به ، وأما عرفان الحق فأقسام كثيرة لكن الذي يستفاد منه طريق النجاة معرفة المبدأ ، ومعرفة المعاد ، وأما الخير الذي يعمل به فأقسام كثيرة وأشرفها قسمان : الطاعة بالنفس والطاعة بالمال فقوله : { لِلْمُؤْمِنِينَ } إشارة إلى معرفة المبدأ ، وقوله : { يُقِيمُونَ ٱلصَّلوٰةَ وَيُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } إشارة إلى الطاعة بالنفس والمال ، وقوله : { وَهُم بِٱلأَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } إشارة إلى علم المعاد فكأنه سبحانه وتعالى جعل معرفة المبدأ طرفاً أولاً ، ومعرفة المعاد طرفاً أخيراً وجعل الطاعة بالنفس والمال متوسطاً بينهما الثاني : أن المؤمنين الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة ، منهم من هو جازم بالحشر والنشر ، ومنهم من يكون شاكاً فيه إلا أنه يأتي بهذه الطاعات للاحتياط ، فيقول إن كنت مصيباً فيها فقد فزت بالسعادة ، وإن كنت مخطئاً فيها لم يفتني إلا خيرات قليلة في هذه المدة اليسيرة ، فمن يأتي بالصلاة والزكاة على هذا الوجه لم يكن في الحقيقة مهتدياً بالقرآن ، أما من كان حازماً بالآخرة كان مهتدياً به ، فلهذا السبب ذكر هذا القيد الثاني : أن يجعل قوله : { وَهُم بِٱلأَخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } جملة اعتراضية كأنه قيل وهؤلاء الذين يؤمنون ويعملون الصالحات من إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة هم الموقنون بالآخرة ، وهذا هو الأقرب ويدل عليه أنه عقد جملة ابتدائية وكرر فيها المبتدأ الذي هو { هُمْ } حتى صار معناها وما يوقن بالآخرة حق الإيقان إلا هؤلاء الجامعون بين الإيمان والعمل الصالح ، لأن خوف العاقبة يحملهم على تحمل المشاق .