Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 27, Ayat: 45-53)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

القصة الثالثة قصة صالح عليه السلام قرىء { أَنِ ٱعْبُدُواْ ٱللَّهَ } بالضم على إتباع النون الباء . أما قوله : { فَإِذَا هُمْ فَرِيقَانِ } ففيه قولان : أحدهما : المراد فريق مؤمن وفريق كافر الثاني : المراد قوم صالح قبل أن يؤمن منهم أحد . أما قوله : { يَخْتَصِمُونَ } فالمعنى أن الذين آمنوا إنما آمنوا لأنهم نظروا في حجته فعرفوا صحتها ، وإذا كان كذلك فلا بد وأن يكون خصماً لمن لم يقبلها ، وإذا كان هذا الاختصام في باب الدين دل ذلك على أن الجدال في باب الدين حق وفيه إبطال التقليد . أما قوله : { قَالَ يٰقَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } ففيه بحثان : الأول : في تفسير استعجال السيئة قبل الحسنة وجهان : أحدهما : أن الذين كذبوا صالحاً عليه السلام لما لم ينفعهم الحجاج توعدهم صالح عليه السلام بالعذاب فقالوا : { ٱئْتِنَا بِعَذَابِ ٱللَّهِ إِن كُنتَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } [ العنكبوت : 29 ] على وجه الاستهزاء ، فعنده قال صالح : { لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِٱلسَّيّئَةِ قَبْلَ ٱلْحَسَنَةِ } والمراد أن الله تعالى قد مكنكم من التوصل إلى رحمة الله تعالى وثوابه ، فلماذا تعدلون عنه إلى استعجال عذابه وثانيهما : أنهم كانوا يقولون لجهلهم إن العقوبة التي يعدها صالح إن وقعت على زعمه أتينا حينئذ واستغفرنا فحينئذ يقبل الله توبتنا ويدفع العذاب عنا ، فخاطبهم صالح على حسب اعتقادهم ، وقال هلا تستغفرون الله قبل نزول العذاب فإن استعجال الخير أولى من استعجال الشر . البحث الثاني : أن المراد بالسيئة العقاب وبالحسنة الثواب ، فأما وصف العذاب بأنه سيئة فهو مجاز وسبب هذا التجويز ، إما لأن العقاب من لوازمه أو لأنه يشبهه في كونه مكروهاً ، وأما وصف الرحمة بأنها حسنة فمنهم من قال إنه حقيقة ومنهم من قال إنه مجاز والأول أقرب ، ثم إن صالحاً عليه السلام لما قرر هذا الكلام الحق أجابوه بكلام فاسد ، وهو قولهم : { ٱطَّيَّرْنَا بِكَ } أي تشاءمنا بك لأن الذي يصيبنا من شدة وقحط فهو بشؤمك وبشؤم من معك . قال صاحب « الكشاف » كان الرجل يخرج مسافراً فيمر بطائر فيزجره فإن مر سانحاً تيمن وإن مر بارحاً تشاءم فلما نسبوا الخير والشر إلى الطائر استعير لما كان للخير والشر وهو قدر الله وقسمته ، فأجاب صالح عليه السلام بقوله : { طَائِرُكُمْ عِندَ ٱللَّهِ } أي السبب الذي منه يجيء خيركم وشركم عند الله وهو قضاؤه وقدره إن شاء رزقكم وإن شاء حرمكم وقيل بل المراد إن جزاء الطيرة منكم عند الله وهو العقاب ، والأقرب الوجه الأول لأن القوم أشاروا إلى الأمر الحاصل فيجب في جوابه أن يكون فيه لا في غيره ، ثم بين أهذا جهل منهم بقوله : { بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ } فيحتمل أن غيرهم دعاهم إلى هذا القول ، ويحتمل أن يكون المراد أن الشيطان يفتنكم بوسوسته ، ثم إنه سبحانه قال : { وَكَانَ فِى ٱلْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ } والأقرب أن يكون المراد تسعة جمع إذ الظاهر من الرهط الجماعة لا الواحد ، ثم يحتمل أنهم كانوا قبائل ، ويحتمل أنهم دخلوا تحت العدد لاختلاف صفتهم وأحوالهم لا لاختلاف السبب ، فبين تعالى أنهم يفسدون في الأرض ولا يمزجون ذلك الفساد بشيء من الصلاح ، فلهذا قال : { يُفْسِدُونَ فِى ٱلأَرْضِ وَلاَ يُصْلِحُونَ } ثم بين تعالى أن من جملة ذلك ما هموا به من أمر صالح عليه السلام . أما قوله : { تَقَاسَمُواْ بِٱللَّهِ } فيحتمل أن يكون أمراً أو خبراً في محل الحال بإضمار قد ، أي قالوا متقاسمين ، والبيات متابعة العدو ليلاً . أما قوله : { ثُمَّ لَنَقُولَنَّ لِوَلِيّهِ مَا شَهِدْنَا مَهْلِكَ أَهْلِهِ } يعني لو اتهمنا قومه حلفنا لهم أنا لم نحضر . وقرىء مهلك بفتح الميم واللام وكسرها من هلك ومهلك بضم الميم من أهلك ، ويحتمل المصدر والمكان والزمان ، ثم إنه سبحانه قال : { وَمَكَرُواْ مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لاَ يَشْعُرُونَ } وقد اختلفوا في مكر الله تعالى على وجوه : أحدها : أن مكر الله إهلاكهم من حيث لا يشعرون ، شبه بمكر الماكر على سبيل الاستعارة ، روي أنه كان لصالح عليه السلام مسجد في الحجر في شعب يصلي فيه ، فقالوا زعم صالح أنه يفرغ منا إلى ثلاث فنحن نفرغ منه ، ومن أهله قبل الثلاث فخرجوا إلى الشعب وقالوا إذا جاء يصلي قتلناه ، ثم رجعنا إلى أهله فقتلناهم ، فبعث الله تعالى صخرة فطبقت الصخرة عليهم فم الشعب فهلكوا وهلك الباقون بالصيحة وثانيها : جاؤا بالليل شاهرين سيوفهم وقد أرسل الله تعالى الملائكة ملء دار صالح فدمغوهم بالحجارة ، يرون الأحجار ولا يرون رامياً وثالثها : أن الله تعالى أخبر صالحاً بمكرهم فتحرز عنهم فذاك مكر الله تعالى في حقهم . أما قوله : { أَنَّا دَمَّرْنَـٰهُمْ } استئناف ، ومن قرأ بالفتح رفعه بدلاً من العاقبة أو خبر مبتدأ محذوف تقديره هي تدمرهم أو نصبه على معنى لأنا أو على أنه خبر كان أي كان عاقبة مكرهم الدمار . أما قوله : { خَاوِيَةٍ } فهو حال عمل فيها ما دل عليه تلك ، وقرأ عيسى بن عمر خاوية بالرفع على خبر المبتدأ المحذوف ، والله أعلم .