Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 116-116)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى ذكر في هذه الآيات مرة أحوال الكافرين في كيفية العقاب ، وأخرى أحوال المؤمنين في الثواب جامعاً بين الزجر والترغيب والوعد والوعيد ، فلما وصف من آمن من الكفار بما تقدم من الصفات الحسنة أتبعه تعالى بوعيد الكفار ، فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَن تُغْنِىَ عَنْهُمْ أَمْوٰلُهُمْ وَلاَ أَوْلـٰدُهُم } وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : في قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } قولان الأول : المراد منه بعض الكفار ثم القائلون بهذا القول ذكروا وجوهاً أحدها : قال ابن عباس : يريد قريظة والنضير ، وذلك لأن مقصود رؤساء اليهود في معاندة الرسول ما كان إلا المال والدليل عليه قوله تعالى في سورة البقرة { وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَـٰتِي ثَمَنًا قَلِيلاً } [ البقرة : 41 ] وثانيها : أنها نزلت في مشركي قريش ، فإن أبا جهل كان كثير الافتخار بماله ولهذا السبب نزل فيه قوله { وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُمْ مّن قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثَاثاً ورئياً } [ مريم : 74 ] وقوله { فَلْيَدْعُ نَادِيَهُ * سَنَدْعُ ٱلزَّبَانِيَةَ } [ العلق : 17 ، 18 ] وثالثها : أنها نزلت في أبي سفيان ، فإنه أنفق مالاً كثيراً على المشركين يوم بدر وأحد في عداوة النبي صلى الله عليه وسلم . والقول الثاني : أن الآية عامة في حق جميع الكفار ، وذلك لأنهم كلهم كانوا يتعززون بكثرة الأموال ، وكانوا يعيرون الرسول صلى الله عليه وسلم وأتباعه بالفقر ، وكان من جملة شبههم أن قالوا : لو كان محمد على الحق لما تركه ربه في هذا الفقر والشدة ولأن اللفظ عام ، ولا دليل يوجب التخصيص فوجب إجراؤه على عمومه ، وللأولين أن يقولوا : إنه تعالى قال بعد هذه الآية { مَثَلُ مَا يُنْفِقُونَ } [ آل عمران : 177 ] فالضمير في قوله { يُنفِقُونَ } عائد إلى هذا الموضع ، وهو قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } ثم إن قوله { يُنفِقُونَ } مخصوص ببعض الكفار ، فوجب أن يكون هذا أيضاً مخصوصاً . المسألة الثانية : إنما خص تعالى الأموال والأولاد بالذكر لأن أنفع الجمادات هو الأموال وأنفع الحيوانات هو الولد ، ثم بيّن تعالى أن الكافر لا ينتفع بهما ألبتة في الآخرة ، وذلك يدل على عدم انتفاعه بسائر الأشياء بطريق الأولى ، ونظيره قوله تعالى : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ * إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } [ الشعراء : 88 ، 89 ] وقوله { وَٱتَّقُواْ يَوْمًا لاَّ تَجْزِى نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئًا } [ البقرة : 48 ] الآية وقوله { فَلَن يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِم مّلْء ٱلأَرْضِ ذَهَبًا وَلَوِ ٱفْتَدَىٰ بِهِ } [ آل عمران : 91 ] وقوله { وَمَا أَمْوٰلُكُمْ وَلاَ أَوْلَـٰدُكُمْ بِٱلَّتِى تُقَرّبُكُمْ عِندَنَا زُلْفَىٰ } [ سبأ : 37 ] ولما بيّن تعالى أنه لا انتفاع لهم بأموالهم ولا بأولادهم ، قال : { وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ هُمْ فِيهَا خَـٰلِدُونَ } . واحتج أصحابنا بهذه الآية على أن فساق أهل الصلاة لا يبقون في النار أبداً فقالوا قوله { وَأُوْلـئِكَ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ } كلمة تفيد الحصر فإنه يقال : أولئك أصحاب زيد لا غيرهم وهم المنتفعون به لا غيرهم ولما أفادت هذه الكلمة معنى الحصر ثبت أن الخلود في النار ليس إلا للكافر .