Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 126-127)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

الكناية في قوله { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } عائدة على المصدر ، كأنه قال : وما جعل الله المدد والإمداد إلا بشرى لكم بأنكم تنصرون فدل { يُمْدِدْكُمْ } على الإمداد فكنى عنه ، كما قال : { وَلاَ تَأْكُلُواْ مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ ٱسْمُ ٱللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ } [ الأنعام : 121 ] معناه : وإن أكله لفسق فدل { تَأْكُلُواْ } على الأكل فكنى عنه وقال الزجاج { وَمَا جَعَلَهُ ٱللَّهُ } أي ذكر المدد { إِلاَّ بُشْرَىٰ } والبشرى اسم من الإبشار ومضى الكلام في معنى التبشير في سورة البقرة في قوله { وَبَشّرِ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ } [ البقرة : 25 ] . ثم قال : { وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } وفيه سؤال : وهو أن قوله { وَلِتَطْمَئِنَّ } فعل وقوله { إِلاَّ بُشْرَىٰ } اسم وعطف الفعل على الاسم مستنكر ، فكان الواجب أن يقال إلا بشرى لكم واطمئناناً ، أو يقال إلا ليبشركم ولتطمئن قلوبكم به فلم ترك ذلك وعدل عنه إلى عطف الفعل على الاسم . والجواب عنه من وجهين الأول : في ذكر الإمداد مطلوبان ، وأحدهما أقوى في المطلوبية من الآخر ، فأحدهما إدخال السرور في قلوبهم ، وهو المراد بقوله { إِلاَّ بُشْرَىٰ } والثاني : حصول الطمأنينة على أن إعانة الله ونصرته معهم فلا يجبنوا عن المحاربة ، وهذا هو المقصود الأصلي ففرق بين هاتين العبارتين تنبيهاً على حصول التفاوت بين هذين الأمرين في المطلوبية فكونه بشرى مطلوب ولكن المطلوب الأقوى حصول الطمأنينة ، فلهذا أدخل حرف التعليل على فعل الطمأنينة ، فقال : { وَلِتَطْمَئِنَّ } ونظيره قوله { وَٱلْخَيْلَ وَٱلْبِغَالَ وَٱلْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً } [ النحل : 8 ] ولما كان المقصود الأصلي هو الركوب أدخل حرف التعليل عليها ، فكذا ههنا الثاني قال بعضهم في الجواب : الواو زائدة والتقدير وما جعله الله إلا بشرى لكم لتطمئن به قلوبكم . ثم قال : { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ } والغرض منه أن يكون توكلهم على الله لا على الملائكة وهذا تنبيه على أن إيمان العبد لا يكمل إلا عند الإعراض عن الأسباب والإقبال بالكلية على مسبب الأسباب أو قوله { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } فالعزيز إشارة إلى كمال قدرته ، والحكيم إشارة إلى كمال علمه ، فلا يخفى عليه حاجات العباد ولا يعجز عن إجابة الدعوات ، وكل من كان كذلك لم يتوقع النصر إلا من رحمته ولا الإعانة إلا من فضله وكرمه . ثم قال : { لِيَقْطَعَ طَرَفاً مّنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } واللام في { لِيَقْطَعَ طَرَفاً } متعلق بقوله { وَمَا ٱلنَّصْرُ إِلاَّ مِنْ عِندِ ٱللَّهِ ٱلْعَزِيزِ ٱلْحَكِيمِ } والمعنى أن المقصود من نصركم بواسطة إمداد الملائكة هو أن يقطعوا طرفاً من الذين كفروا ، أي يهلكوا طائفة منهم ويقتلوا قطعة منهم ، قيل : إنه راجع إلى قوله { وَلِتَطْمَئِنَّ قُلُوبُكُمْ بِهِ } ، { لِيَقْطَعَ طَرَفاً } ولكنه ذكر بغير حرف العطف لأنه إذا كان البعض قريباً من البعض جاز حذف العاطف ، وهو كما يقول السيد لعبده : أكرمتك لتخدمني لتعينني لتقوم بخدمتي حذف العاطف ، لأن البعض يقرب من البعض ، فكذا ههنا ، وقوله { طَرَفاً } أي طائفة وقطعة وإنما حسن في هذا الموضع ذكر الطرف ولم يحسن ذكر الوسط لأنه لا وصول إلى الوسط إلا بعد الأخذ من الطرف ، وهذا يوافق قوله تعالى : { قَاتِلُواْ ٱلَّذِينَ يَلُونَكُمْ } [ التوبة : 123 ] وقوله { أَوَ لَمْ يَرَوْاْ أَنَّا نَأْتِى ٱلأَرْضَ نَنقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا } [ الرعد : 41 ] . ثم قال : { أَوْ يَكْبِتَهُمْ } الكبت في اللغة صرع الشيء على وجهه ، يقال : كبته فانكبت هذا تفسيره ، ثم قد يذكر والمراد به الإخزاء والإهلاك واللعن والهزيمة والغيظ والإذلال ، فكل ذلك ذكره المفسرون في تفسير الكبت ، وقوله { خَائِبِينَ } الخيبة هي الحرمان والفرق بين الخيبة وبين اليأس أن الخيبة لا تكون إلا بعد التوقع ، وأما اليأس فإنه قد يكون بعد التوقع وقبله ، فنقيض اليأس الرجاء ، ونقيض الخيبة الظفر ، والله أعلم .