Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 12-12)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : قرأ حمزة والكسائي { سَيَغْلِبُونَ وَيُحْشَرون } بالياء فيهما ، والباقون بالتاء المنقطة من فوق فيهما ، فمن قرأ بالياء المنقطة من تحت ، فالمعنى : بلغهم أنهم سيغلبون ، ويدل على صحة الياء قوله تعالى : { قُل لّلَّذِينَ ءَامَنُواْ يَغْفِرُواْ لِلَّذِينَ لاَ يَرْجُونَ أَيَّامَ ٱللَّهِ } [ الجاثية : 14 ] و { قُلْ لّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّواْ } [ النور : 30 ] ولم يقل غضوا ، ومن قرأ بالتاء فللمخاطبة ، ويدل على حسن التاء قوله { وَإِذْ أَخَذَ ٱللَّهُ مِيثَـٰقَ ٱلنَّبِيّيْنَ لَمَا ءاتَيْتُكُم مّن كِتَـٰبٍ } [ آل عمران : 81 ] والفرق بين القراءتين من حيث المعنى أن القراءة بالتاء أمر بأن يخبرهم بما سيجري عليهم من الغلبة والحشر إلى جهنم ، والقراءة بالياء أمر بأن يحكي لهم والله أعلم . المسألة الثانية : ذكروا في سبب نزول هذه الآية وجوهاً الأول : لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم قريشاً يوم بدر وقدم المدينة ، جمع يهود في سوق بني قينقاع ، وقال : يا معشر اليهود أسلموا قبل أن يصيبكم مثل ما أصاب قريشاً ، فقالوا : يا محمد لا تغرنك نفسك أن قتلت نفراً من قريش لا يعرفون القتال ، لو قاتلتنا لعرفت ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . الرواية الثانية : أن يهود أهل المدينة لما شاهدوا وقعة أهل بدر ، قالوا : والله هو النبي الأمي الذي بشرنا به موسى في التوراة ، ونعته وأنه لا ترد له راية ، ثم قال بعضهم لبعض : لا تعجلوا فلما كان يوم أُحد ونكب أصحابه قالوا : ليس هذا هو ذاك ، وغلب الشقاء عليهم فلم يسلموا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية . والرواية الثالثة : أن هذه الآية واردة في جمع من الكفار بأعيانهم علم الله تعالى أنهم يموتون على كفرهم ، وليس في الآية ما يدل على أنهم من هم . المسألة الثالثة : احتج من قال بتكليف ما لا يطاق بهذه الآية ، فقال : إن الله تعالى أخبر عن تلك الفرقة من الكفار أنهم يحشرون إلى جهنم ، فلو آمنوا وأطاعوا لانقلب هذا الخبر كذباً وذلك محال ، ومستلزم المحال محال ، فكان الإيمان والطاعة محالاً منهم ، وقد أمروا به ، فقد أمروا بالمحال وبما لا يطاق ، وتمام تقريره قد تقدم في تفسير قوله تعالى : { سَوَاء عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ } [ البقرة : 6 ] . المسألة الرابعة : قوله { سَتُغْلَبُونَ } إخبار عن أمر يحصل في المستقبل ، وقد وقع مخبره على موافقته ، فكان هذا إخباراً عن الغيب وهو معجز ، ونظيره قوله تعالى : { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِى أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } الروم : 2 ، 3 الآية ، ونظيره في حق عيسى عليه السلام { وَأُنَبّئُكُم بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِى بُيُوتِكُمْ } [ آل عمران : 49 ] . المسأُلة الخامسة : دلّت الآية على حصول البعث في القيامة ، وحصول الحشر والنشر ، وأن مرد الكافرين إلى النار . ثم قال : { وَبِئْسَ ٱلْمِهَادُ } وذلك لأنه تعالى لما ذكر حشرهم إلى جهنم وصفه فقال : { بِئْسَ ٱلْمِهَادُ } والمهاد : الموضع الذي يتمهد فيه وينام عليه كالفراش ، قال الله تعالى : { وَٱلأَرْضَ فَرَشْنَـٰهَا فَنِعْمَ ٱلْمَـٰهِدُونَ } [ الذاريات : 48 ] فلما ذكر الله تعالى مصير الكافرين إلى جهنم أخبر عنها بالشر لأن بئس مأخوذ من البأساء هو الشر والشدة ، قال الله تعالى : { وَأَخَذْنَا ٱلَّذِينَ ظَلَمُواْ بِعَذَابٍ بَئِيسٍ } [ الأعراف : 165 ] أي شديد وجهنم معروفة أعاذنا الله منها بفضله .