Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 133-133)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسائل : المسألة الأولى : قرأ نافع وابن عامر { سارعوا } بغير واو ، وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام ، والباقون بالواو ، وكذلك هو في مصاحف مكة والعراق ومصحف عثمان ، فمن قرأ بالواو عطفها على ما قبلها والتقدير أطيعوا الله والرسول وسارعوا ، ومن ترك الواو فلانه جعل قوله : { سارعوا } وقوله : { أَطِيعُواْ ٱللَّهَ } [ آل عمران : 132 ] كالشيء الواحد ، ولقرب كل واحد منها من الآخر في المعنى أسقط العاطف . المسألة الثانية : روي عن الكسائي الإمالة في { سارعوا } { أُوْلَـٰئِكَ يُسَـٰرِعُونَ } [ المؤمنون : 61 ] { ونسارع } [ المؤمنون : 56 ] وذلك جائز لمكان الراء المسكورة ، ويمنع كما المفتوحة الامالة ، كذلك المسكورة يميلها . المسألة الثالثة : قالوا : في الكلام حذف والمعنى : وسارعوا الى ما يوجب مغفرة من ربكم ولا شك أن الموجب للمغفرة ليس الا فعل المأمورات وترك المنهيات ، فكان هذا أمرا بالمسارعة الى فعل المأمورات وترك المنهيات ، وتمسك كثير من الأصوليين بهذه الآية في أن ظاهر الأمر يوجب الفور ويمنع من التراخي ووجهه ظاهر ، وللمفسرين فيه كلمات : إحداها : قال ابن عباس : هو الاسلام أقول وجهه ظاهر ، لأنه ذكر المغفرة على سبيل التنكير ، والمراد منه المغفرة العظيمة المتناهية في العظم وذلك هو المغفرة الحاصلة بسبب الاسلام . الثاني : روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : هو أداء الفرائض ، ووجهه أن اللفظ مطلق فيجب أن يعم الكل . والثالث : انه الاخلاص وهو قول عثمان بن عفان رضي الله عنه : ووجهه أن المقصود من جميع العبادات الاخلاص ، كما قال : { وَمَا أُمِرُواْ إِلاَّ لِيَعْبُدُواْ ٱللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ ٱلدّينَ } [ البينة : 5 ] الرابع : قال أبو العالية : هو الهجرة . والخامس : أنه الجهاد وهو قول الضحاك ومحمد بن اسحاق ، قال : لأن من قوله : { وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ } [ آل عمران : 121 ] الى تمام ستين آية نزل في يوم أحد فكان كل هذه الأوامر والنواهي مختصة بما يتعلق بباب الجهاد . السادس : قال سعيد بن جبير : انها التكبيرة الأولى . والسابع : قال عثمان : انها الصلوات الخمس . والثامن : قال عكرمة : إنها جميع الطاعات . لأن اللفظ عام فيتناول الكل . والتاسع : قال الأصم : سارعوا ، أي بادروا الى التوبة من الربا والذنوب ، والوجه فيه أنه تعالى نهى أولا عن الربا ، ثم قال : { وَسَارِعُواْ إِلَىٰ مَغْفِرَةٍ مّن رَّبّكُمْ } فهذا يدل على أن المراد منه المسارعة في ترك ما تقدم النهي عنه ، والأولى ما تقدم من وجوب حمله على أداء الواجبات والتوبة عن جميع المحظورات ، لأن اللفظ عام فلا وجه في تخصيصه ، ثم أنه تعالى بين أنه كما تجب المسارعة إلى المغفرة فكذلك تجب المسارعة إلى الجنة ، وإنما فصل بينهما لأن الغفران معناه إزالة العقاب ، والجنة معناها إيصال الثواب ، فجمع بينهما للإشعار بأنه لا بد للمكلف من تحصيل الأمرين ، فأما وصف الجنة بأن عرضها السموات : فمعلوم أن ذلك ليس بحقيقة لأن نفس السموات لا تكون عرضا للجنة ، فالمراد كعرض السموات والأرض وههنا سؤالات . السؤال الأول : ما معنى أن عرضها مثل عرض السموات والأرض وفيه وجوه : الأول : أن المراد لو جعلت السموات والأرضون طبقا طبقا بحيث يكون كل واحدة من تلك الطبقات سطحا مؤلفا من أجزاء لا تتجزأ ، ثم وصل البعض بالبعض طبقا واحدا لكان ذلك مثل عرض الجنة ، وهذا غاية في السعة لا يعلمها إلا الله . والثاني : أن الجنة التي يكون عرضها مثل عرض السموات والأرض إنما تكون للرجل الواحد لأن الانسان إنما يرغب فيما يصير ملكا ، فلا بد وأن تكون الجنة المملوكة لكل واحد مقدارها هذا . الثالث : قال أبو مسلم : وفيه وجه آخر وهو أن الجنة لو عرضت بالسموات والأرض على سبيل البيع لكانتا ثمنا للجنة ، تقول إذا بعت الشيء بالشيء الآخر : عرضته عليه وعارضته به ، فصار العرض يوضع موضع المساواة بين الشيئين في القدر ، وكذا أيضا معنى القيمة لأنها مأخوذة من مقاومة الشيء بالشيء حتى يكون كل واحد منهما مثلا للآخر . الرابع : المقصود المبالغة في وصف سعة الجنة وذلك لأنه لا شيء عندنا أعرض منهما ونظيره قوله : { خَـٰلِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } [ هود : 107 ] فان أطول الأشياء بقاء عندنا هو السموات والأرض ، فخوطبنا على وفق ما عرفناه ، فكذا ههنا . السؤال الثاني : لم خص العرض بالذكر . والجواب فيه وجهان : الأول : أنه لما كان العرض ذلك فالظاهر أن الطول يكون أعظم ونظيره قوله : { بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ } [ الرحمن : 54 ] وإنما ذكر البطائن لأن من المعلوم أنها تكون أقل حالا من الظهارة ، فاذا كانت البطانة هكذا فكيف الظهارة ؟ فكذا ههنا اذا كان العرض هكذا فكيف الطول والثاني : قال القفال : ليس المراد بالعرض ههنا ما هو خلاف الطول ، بل هو عبارة عن السعة كما تقول العرب : بلاد عريضة ، ويقال هذه دعوى عريضة ، أي واسعة عظيمة ، والأصل فيه ان ما اتسع عرضه لم يضق ، وما ضاق عرضه دق ، فجعل العرض كناية عن السعة . السؤال الثالث : أنتم تقولون : الجنة في السماء فكيف يكون عرضها كعرض السماء ؟ والجواب من وجهين : الأول : أن المراد من قولنا انها فوق السموات وتحت العرش ، قال عليه السلام : في صفة الفردوس " " سقفها عرش الرحمن " " وروي أن رسول هرقل سأل النبي صلى الله عليه وسلم وقال : انك تدعو الى جنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين فأين النار ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " " سبحان الله فأين الليل إذا جاء النهار . " " والمعنى والله أعلم أنه إذا دار الفلك حصل النهار في جانب من العالم والليل في ضد ذلك الجانب ، فكذا الجنة في جهة العلو والنار في جهة السفل ، وسئل أنس ابن مالك عن الجنة أفي الأرض أم في السماء ؟ فقال : وأي أرض وسماء تسع الجنة ، قيل فأين هي ؟ قال : فوق السموات السبع تحت العرش . والوجه الثاني : أن الذين يقولون الجنة والنار غير مخلوقتين الآن ، بل الله تعالى يخلقهما بعد قيام القيامة ، فعلى هذا التقدير لا يبعد أن تكون الجنة مخلوقة في مكان السموات ، والنار في مكان الأرض ، والله أعلم . أما قوله : { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ } فظاهره يدل على أن الجنة والنار مخلوقتان الآن وقد سبق تقرير ذلك .