Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 135-136)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

واعلم أن وجه النظم من وجهين : الأول : أنه تعالى لما وصف الجنة بأنها معدة للمتقين بين أن المتقين قسمان : أحدهما : الذين أقبلوا على الطاعات والعبادات ، وهم الذين وصفهم الله بالانفاق في السراء والضراء ، وكظم الغيظ ، والعفو عن الناس . وثانيهما : الذين أذنبوا ثم تابوا وهو المراد بقوله : { وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَـٰحِشَةً } وبين تعالى أن هذه الفرقة كالفرقة الأولى في كونها متقية ، وذلك لأن المذنب إذا تاب عن الذنب صار حاله كحال من لم يذنب قط في استحقاق المنزلة والكرامة عند الله . والوجه الثاني : أنه تعالى ندب في الآية الأولى إلى الاحسان إلى الغير ، وندب في هذه الآية إلى الاحسان إلى النفس ، فان المذنب العاصي إذا تاب كانت تلك التوبة إحساناً منه إلى نفسه ، وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : روى ابن عباس : أن هذه الآية نزلت في رجلين ، أنصاري وثقفي ، والرسول صلى الله عليه وسلم كان قد آخى بينهما ، وكانا لا يفترقان في أحوالهما ، فخرج الثقفي مع الرسول صلى الله عليه وسلم بالقرعة في السفر ، وخلف الأنصاري على أهله ليتعاهدهم ، فكان يفعل ذلك . ثم قام إلى امرأته ليقبلها فوضعت كفها على وجهها ، فندم الرجل ، فلما وافى الثقفي مع الرسول صلى الله عليه وسلم لم ير الأنصاري ، وكان قد هام في الجبال للتوبة ، فلما عرف الرسول صلى الله عليه وسلم سكت حتى نزلت هذه الآية . وقال ابن مسعود : قال المؤمنون للنبي صلى الله عليه وسلم : كانت بنو إسرائيل أكرم على الله منا ، فكان أحدهم إذا أذنب ذنباً أصبحت كفارة ذنبه مكتوبة على عتبة داره : اجدع أنفك ، افعل كذا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية وبين أنهم أكرم على الله منهم حيث جعل كفارة ذنبهم الاستغفار . المسألة الثانية : الفاحشة ههنا نعت محذوف والتقدير : فعلوا فعلة فاحشة ، وذكروا في الفرق بين الفاحشة وبين ظلم النفس وجوها : الأول : قال صاحب « الكشاف » : الفاحشة ما يكون فعله كاملا في القبح ، وظلم النفس : هو أي ذنب كان مما يؤاخذ الانسان به . والثاني : أن الفاحشة هي الكبيرة ، وظلم النفس . هي الصغيرة ، والصغيرة يجب الاستغفار منها ، بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مأموراً بالاستغفار وهو قوله : { وَٱسْتَغْفِـرْ لِذَنبِكَ } [ محمد : 19 ] وما كان استغفاره دالا على الصغائر بل على ترك الأفضل . الثالث : الفاحشة : هي الزنا ، وظلم النفس : هي القبلة واللمسة والنظرة ، وهذا على قول من حمل الآية على السبب الذي رويناه ، ولأنه تعالى سمى الزنا فاحشة ، فقال تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ ٱلزّنَىٰ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً } [ الإسراء : 32 ] . أما قوله : { ذَكَرُواْ ٱللَّهَ } ففيه وجهان : أحدهما : أن المعنى ذكروا وعيد الله أو عقابه أو جلاله الموجب للخشية والحياء منه ، فيكون من باب حذف المضاف ، والذكر ههنا هو الذي ضد النسيان وهذا معنى قول الضحاك ، ومقاتل ، والواقدي ، فان الضحاك قال : ذكروا العرض الأكبر على الله ، ومقاتل ، والواقدي . قال : تفكروا أن الله سائلهم ، وذلك لأنه قال : بعد هذه الآية { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } وهذا يدل على أن الاستغفار كالأثر ، والنتيجة لذلك : الذكر ، ومعلوم أن الذكر الذي يوجب الاستغفار ليس إلا ذكر عقاب الله ، ونهيه ووعيده ، ونظير هذه الآية قوله : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ إِذَا مَسَّهُمْ طَـئِفٌ مّنَ ٱلشَّيْطَـٰنِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ } [ الأعراف : 201 ] والقول الثاني : أن المراد بهذا الذكر ذكر الله بالثناء والتعظيم والاجلال ، وذلك لأن من أراد أن يسأل الله مسألة ، فالواجب أن يقدم على تلك المسألة الثناء على الله ، فهنا لما كان المراد الاستغفار من الذنوب قدموا عليه الثناء على الله تعالى ، ثم اشتغلوا بالاستغفار عن الذنوب . ثم قال : { فَٱسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ } والمراد منه الاتيان بالتوبة على الوجه الصحيح ، وهو الندم على فعل ما مضى مع العزم على ترك مثله في المستقبل ، فهذا هو حقيقة التوبة ، فأما الاستغفار باللسان ، فذاك لا أثر له في إزالة الذنب ، بل يجب إظهار هذا الاستغفار لازالة التهمة ، ولاظهار كونه منقطعاً إلى الله تعالى ، وقوله : { لِذُنُوبِهِمْ } أي لأجل ذنوبهم . ثم قال : { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } والمقصود منه أن لا يطلب العبد المغفرة إلا منه ، وذلك لأنه تعالى هو القادر على عقاب العبد في الدنيا والآخرة ، فكان هو القادر على إزالة ذلك العقاب عنه ، فصح أنه لا يجوز طلب الاستغفار إلا منه . ثم قال : { وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَىٰ مَا فَعَلُواْ } واعلم أن قوله : { وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلاَّ ٱللَّهُ } جملة معترضة بين المعطوف والمعطوف عليه ، والتقدير : فاستغفروا لذنوبهم ولم يصروا على ما فعلوا . وقوله : { وَهُمْ يَعْلَمُونَ } فيه وجهان : الأول : أنه حال من فعل الاصرار ، والتقدير : ولم يصروا على ما فعلوا من الذنوب حال ما كانوا عالمين بكونها محظورة محرمة لأنه قد يعذر من لا يعلم حرمة الفعل ، أما العالم بحرمته فانه لا يعذر في فعله ألبتة . الثاني : أن يكون المراد منه العقل والتمييز والتمكين من الاحتراز من الفواحش فيجري مجرى قوله صلى الله عليه وسلم : " " رفع القلم عن ثلاث " . " ثم قال : { أُوْلَـٰئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَّغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ وَجَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ } والمعنى أن المطلوب أمران : الأول : الأمن من العقاب واليه الاشارة بقوله : { مَّغْفِرَةٌ مّن رَّبّهِمْ } والثاني : إيصال الثواب اليه وهو المراد بقوله : { جَنَّـٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ خَـٰالِدِينَ فِيهَا } ثم بين تعالى أن الذي يحصل لهم من ذلك وهو الغفران والجنات يكون أجراً لعملهم وجزاء عليه بقوله : { وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَـٰمِلِينَ } قال القاضي : وهذا يبطل قول من قال ان الثواب تفضل من الله وليس بجزاء على عملهم .