Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 144-144)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وفيه مسائل : المسألة الأولى : قال ابن عباس ومجاهد والضحاك : لما نزل النبي صلى الله عليه وسلم بأحد أمر الرماة أن يلزموا أصل الجبل ، وأن لا ينتقلوا عن ذلك سواء كان الأمر لهم أو عليهم ، فلما وقفوا وحملوا على الكفار وهزموهم وقتل علي طلحة بن أبي طلحة صاحب لوائهم ، والزبير والمقداد شدا على المشركين ثم حمل الرسول مع أصحابه فهزموا أبا سفيان ، ثم إن بعض القوم لما أن رأوا انهزام الكفار بادر قوم من الرماة إلى الغنيمة وكان خالد بن الوليد صاحب ميمنة الكفار ، فلما رأى تفرق الرماة حمل على المسلمين فهزمهم وفرق جمعهم وكثر القتل في المسملين ، ورمى عبدالله بن قميئة الحارثي رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجر فكسر رباعيته وشج وجهه ، وأقبل يريد قتله ، فذب عنه مصعب بن عمير وهو صاحب الراية يوم بدر ويوم أحد حتى قتله ابن قميئة ، فظن أنه قتل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال قد قتلت محمدا ، وصرخ صارخ ألا إنَّ محمدا قد قتل ، وكان الصارخ الشيطان ، ففشا في الناس خبر قتله ، فهنالك قال بعض المسلمين : ليت عبدالله بن أبي يأخذ لنا أمانا من أبي سفيان . وقال قوم من المنافقين : لو كان نبيا لما قتل ، ارجعوا الى إخوانكم والى دينكم ، فقال أنس بن النضر عم أنس بن مالك : يا قوم ان كان قد قتل محمد فإن رب محمد حي لا يموت وما تصنعون بالحياة بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قاتلوا على ما قاتل عليه وموتوا على ما مات عليه ، ثم قال : اللهم اني أعتذر اليك مما يقول هؤلاء ، ثم سل سيفه فقاتل حتى قتل رحمه الله تعالى ، ومر بعض المهاجرين بأنصاري يتشحط في دمه ، فقال : يا فلان أشعرت أن محمدا قد قتل ، فقال : ان كان قد قتل فقد بلغ ، قاتلوا على دينكم ، ولما شج ذلك الكافر وجه الرسول صلى الله عليه وسلم وكسر رباعيته ، احتمله طلحة بن عبيدالله ، ودافع عنه أبو بكر وعلي رضي الله عنهم ونفر آخرون معهم ، ثم ان الرسول صلى الله عليه وسلم جعل ينادي ويقول : الى عباد الله حتى انحازت اليه طائفة من أصحابه فلامهم على هزيمتهم ، فقالوا يا رسول الله فديناك بآبائنا وأمهاتنا ، أتانا خبر قتلك فاستولى الرعب على قلوبنا فولينا مدبرين ، ومعنى الآية { وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ ٱلرُّسُلُ } فسيخلو كما خلوا ، وكما أن أتباعهم بقوا متمسكين بدينهم بعد خلوهم ، فعليكم أن تتمسكوا بدينه بعد خلوه ، لأن الغرض من بعثة الرسل تبليغ الرسالة والزام الحجة ، لا وجودهم بين أظهر قومهم أبدا . المسألة الثانية : قال أبو علي : الرسول جاء على ضربين : أحدهما : يراد به المرسل ، والآخر الرسالة ، وههنا المراد به المرسل بدليل قوله : { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ البقرة : 252 ] وقوله : { يَـٰأَيُّهَا ٱلرَّسُولُ بَلّغْ } [ المائدة : 67 ] وفعول قد يراد به المفعول ، كالركوب والحلوب لما يركب ويحلب والرسول بمعنى الرسالة كقوله : @ لقد كذب الواشون ما فهت عندهم بسر ولا أرسلتهم برسول @@ أي برسالة ، قال : ومن هذا قوله تعالى : { إِنَّا رَسُولاَ رَبّكَ } [ طه : 47 ] ونذكره في موضعه ان شاء الله تعالى ثم قال : { أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم } وفيه مسائل : المسألة الأولى : حرف الاستفهام دخل على الشرط وهو في الحقيقة داخل على الجزاء ، والمعنى أتنقلبون على أعقابكم ان مات محمد أو قتل ، ونظيره قوله : هل زيد قائم ، فأنت إنما تستخبر عن قيامه ، إلا أنك أدخلت هل على الاسم والله أعلم . المسألة الثانية : أنه تعالى بين في آيات كثيرة انه عليه السلام لا يقتل قال : { إِنَّكَ مَيّتٌ وَإِنَّهُمْ مَّيّتُونَ } [ الزمر : 30 ] وقال : { وَٱللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ ٱلنَّاسِ } [ المائدة : 67 ] وقال : { لِيُظْهِرَهُ عَلَى ٱلدّينِ كُلّهِ } [ الصف : 9 ] فليس لقائل أن يقول : لما علم أنه لا يقتل فلم قال { أو قتل } ؟ فان الجواب عنه من وجوه : الأول : أن صدق القضية الشرطية لا يقتضي صدق جزأيها ، فانك تقول : ان كانت الخمسة زوجا كانت منقسمة بمتساويين ، فالشرطية صادقة وجزآها كاذبان ، وقال تعالى : { لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلاَّ ٱللَّهُ لَفَسَدَتَا } [ الأنبياء : 22 ] فهذا حق مع أنه ليس فيهما آلهة ، وليس فيهما فساد ، فكذا ههنا . والثاني : ان هذا ورد على سبيل الالزام ، فإن موسى عليه السلام مات ولم ترجع أمته عن ذلك ، والنصارى زعموا أن عيسى عليه السلام قتل وهم لا يرجعون عن دينه ، فكذا ههنا ، والثالث : ان الموت لا يوجب رجوع الأمة عن دينه ، فكذا القتل وجب أن لا يوجب الرجوع عن دينه ، لانه فارق بين الأمرين ، فلما رجع الى هذا المعنى كان المقصود منه الرد على أولئك الذين شكوا في صحة الدين وهموا بالارتداد . المسألة الثالثة : قوله : { ٱنقَلَبْتُمْ عَلَىٰ أَعْقَـٰبِكُمْ } أي صرتم كفارا بعد إيمانكم ، يقال لكل من عاد الى ما كان عليه رجع وراءه وانقلب على عقبه ونكص على عقبيه ، وذلك أن المنافقين قالوا لضعفة المسلمين : ان كان محمد قتل فالحقوا بدينكم ، فقال بعض الأنصار : ان كان محمد قتل فإن رب محمد لم يقتل ، فقاتلوا على ما قاتل عليه محمد . وحاصل الكلام أنه تعالى بين أن قلته لا يوجب ضعفا في دينه بدليلين : الأول : بالقياس على موت سائر الأنبياء وقتلهم ، والثاني : أن الحاجة الى الرسول لتبليغ الدين وبعد ذلك فلا حاجة اليه ، فلم يلزم من قتله فساد الدين ، والله أعلم . المسألة الرابعة : ليس لقائل أن يقول : إن قوله : { أفإن مات أو قتل } شك وهو على الله تعالى لا يجوز ، فإنا نقول : المراد أنه سواء وقع هذا أو ذاك فلا تأثير له في ضعف الدين ووجوب الارتداد . ثم قال تعالى : { وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىٰ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ ٱللَّهَ شَيْئاً } والغرض منه تأكيد الوعيد ، لأن كل عاقل يعلم أن الله تعالى لا يضره كفر الكافرين ، بل المراد أنه لا يضر الا نفسه ، وهذا كما إذا قال الرجل لولده عند العتاب : ان هذا الذي تأتي به من الأفعال لا يضر السماء والأرض ، ويريد به أنه يعود ضرره عليه فكذا ههنا ، ثم أتبع الوعيد بالوعد فقال : { وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ } فالمراد أنه لما وقعت الشبهة في قلوب بعضهم بسبب تلك الهزيمة ولم تقع الشبهة في قلوب العلماء الأقوياء من المؤمنين ، فهم شكروا الله على ثباتهم على الايمان وشدة تمسكهم به ، فلا جرم مدحهم الله تعالى بقوله : { وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ } وروى محمد أبن جرير الطبري عن علي رضي الله عنه أنه قال : المراد بقوله : { وَسَيَجْزِى ٱللَّهُ ٱلشَّـٰكِرِينَ } أبو بكر وأصحابه ، وروي عنه أنه قال أبو بكر من الشاكرين وهو من أحباء الله ، والله أعلم بالصواب .