Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 152-152)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن اتصال هذه الآية بما قبلها من وجوه : الأول : أنه لما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وقد أصابهم ما أصابهم بأحد ، قال ناس من أصحابه : من أين أصابنا هذا وقد وعدنا الله النصر ! فأنزل الله تعالى هذه الآية . الثاني : قال بعضهم كان النبي صلى الله عليه وسلم رأى في المنام أنه يذبح كبشا فصدق الله رؤياه بقتل طلحة بن عثمان صاحب لواء المشركين يوم أحد ، وقتل بعده تسعة نفر على اللواء فذاك قوله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } يريد تصديق رؤيا الرسول صلى الله عليه وسلم . الثالث : يجوز أن يكون هذا الوعد ما ذكره في قوله تعالى : { بَلَى إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ } [ آل عمران : 125 ] إلا أن هذا كان مشروطاً بشرط الصبر والتقوى . والرابع : يجوز أن يكون هذا الوعد هو قوله : { وَلَيَنصُرَنَّ ٱللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } [ الحج : 40 ] إلا أن هذا أيضاً مشروط بشرط . والخامس : يجوز أن يكون هذا الوعد هو قوله : { سَنُلْقِى فِى قُلُوبِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ ٱلرُّعْبَ } [ آل عمران : 151 ] والسادس : قيل : الوعد هو أن النبي صلى الله عليه وسلم قال للرماة : " " لا تبرحوا من هذا المكان ، فإنا لا نزال غالبين ما دمتم في هذا المكان " " السابع : قال أبو مسلم : لما وعدهم الله في الآية المتقدمة إلقاء الرعب في قلوبهم أكد ذلك بأن ذكرهم ما أنجزهم من الوعد بالنصر في واقعة أحد ، فإنه لما وعدهم بالنصرة بشرط أن يتقوا ويصبروا فحين أتوا بذلك الشرط لا جرم ، وفى الله تعالى بالمشروط وأعطاهم النصرة ، فلما تركوا الشرط لا جرم فاتهم المشروط . إذا عرفت وجه النظم ففي الآية مسائل : المسألة الأولى : قال الواحدي رحمه الله : الصدق يتعدى إلى مفعولين ، تقول : صدقته الوعد والوعيد . المسألة الثانية : قد ذكرنا في قصة أحد أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل أحدا خلف ظهره واستقبل المدينة وأقام الرماة عند الجبل ، وأمرهم أن يثبتوا هناك ولا يبرحوا ، سواء كانت النصرة للمسلمين أو عليهم ، فلما أقبل المشركون جعل الرماة يرشقون نبلهم والباقون يضربونهم بالسيوف حتى انهزموا ، والمسلمون على آثارهم يحسونهم ، قال الليث : الحس : القتل الذريع ، تحسونهم : أي تقتلونهم قتلا كثيرا ، قال أبو عبيد ، والزجاج ، وابن قتيبة : الحس : الاستئصال بالقتل ، يقال : جراد محسوس . إذا قتله البرد . وسنة حسوس : إذا أتت على كل شيء ، ومعنى « تحسونهم » أي تستأصلونهم قتلا ، قال أصحاب الاشتقاق : « حسه » إذا قتله لأنه أبطل حسه بالقتل ، كما يقال : بطنه إذا أصاب بطنه ، ورأسه ، إذا أصاب رأسه ، وقوله : { بِإِذْنِهِ } أي بعلمه ، ومعنى الكلام أنه تعالى لما وعدكم النصر بشرط التقوى والصبر على الطاعة فما دمتم وافين بهذا الشرط أنجز وعده ونصركم على أعدائكم ، فلما تركتم الشرط وعصيتم أمر ربكم لا جرم زالت تلك النصرة . أما قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَـٰزَعْتُمْ فِى ٱلأَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مّن بَعْدَمَا أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } ففيه مسائل : المسألة الأولى : لقائل أن يقول ظاهر قوله : { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } بمنزلة الشرط ، ولا بد له من الجواب فأين جوابه ؟ واعلم أن للعلماء ههنا طريقين : الأول : أن هذا ليس بشرط ، بل المعنى ، ولقد صدقكم الله وعده حتى إذا فشلتم ، أي قد نصركم إلى أن كان منكم الفشل والتنازع ، لأنه تعالى كان إنما وعدهم بالنصرة بشرط التقوى والصبر على الطاعة ، فلما فشلوا وعصوا انتهى النصر ، وعلى هذا القول تكون كلمة « حتى » غاية بمعنى « إلى » فيكون معنى قوله : { حَتَّىٰ إِذَا } إلى أن ، أو إلى حين . الطريق الثاني : أن يساعد على أن قوله : { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } شرط ، وعلى هذا القول اختلفوا في الجواب على وجوه : الأول : وهو قول البصريين أن جوابه محذوف ، والتقدير : حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منعكم الله نصره ، وإنما حسن حذف هذا الجواب لدلالة قوله : { وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ ٱللَّهُ وَعْدَهُ } عليه ، ونظائره في القرآن كثيرة ، قال تعالى : { فَإِن ٱسْتَطَعْتَ أَن تَبْتَغِىَ نَفَقاً فِى ٱلأَرْضِ أَوْ سُلَمَاً في ٱلسَمَاء فتأتيهم بِآية } [ الأنعام : 35 ] والتقدير : فافعل ، ثم أسقط هذا الجواب لدلالة هذا الكلام عليه ، وقال : { أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ ءَانَاء ٱلَّيْلِ } [ الزمر : 9 ] والتقدير : أم من هو قانت كمن لا يكون كذلك ؟ الوجه الثاني : وهو مذهب الكوفيين واختيار الفراء : أن جوابه هو قوله : { وَعَصَيْتُمْ } والواو زائدة كما قال : { فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ * وَنَـٰدَيْنَـٰهُ } [ الصافات : 103 104 ] والمعنى ناديناه ، كذا ههنا ، الفشل والتنازع صار موجباً للعصيان ، فكان التقدير حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر عصيتم ، فالواو زائدة ، وبعض من نصر هذا القول زعم أن من مذهب العرب إدخال الواو في جواب « حتى إذا » بدليل قوله تعالى : { حَتَّىٰ إِذَا جَاءوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوٰبُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا } [ الزمر : 71 ] والتقدير حتى إذا جاؤها فتحت لهم أبوابها . فان قيل : إن فشلتم وتنازعتم معصية ، فلو جعلنا الفشل والتنازع علة للمعصية لزم كون الشيء علة لنفسه وذلك فاسد . قلنا : المراد من العصيان ههنا خروجهم عن ذلك المكان ، ولا شك أن الفشل والتنازع هو الذي أوجب خروجهم عن ذلك المكان ، فلم يلزم تعليل الشيء بنفسه . واعلم أن البصريين إنما لم يقبلوا هذا الجواب لأن مذهبهم أنه لا يجوز جعل الواو زائدة . الوجه الثالث في الجواب : أن يقال تقدير الآية : حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعدما أراكم ما تحبون ، صرتم فريقين ، منكم من يريد الدنيا ، ومنكم من يريد الآخرة . فالجواب : هو قوله : صرتم فريقين ، إلا أنه أسقط لأن قوله : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلاْخِرَةَ } يفيد فائدته ويؤدي معناه ، لأن كلمة « من » للتبعيض فهي تفيد هذا الانقسام ، وهذا احتمال خطر ببالي . الوجه الرابع : قال أبو مسلم : جواب قوله : { حَتَّىٰ إِذَا فَشِلْتُمْ } هو قوله : { صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } والتقدير حتى إذا فشلتم وكذا وكذا صرفكم عنهم ليبتليكم وكلمة « ثم » ههنا كالساقطة وهذا الوجه في غاية البعد . والله أعلم . المسألة الثانية : أنه تعالى ذكر أمورا ثلاثة : أولها : الفشل وهو الضعف ، وقيل الفشل هو الجبن ، وهذا باطل بدليل قوله تعالى : { وَلاَ تَنَـٰزَعُواْ فَتَفْشَلُواْ } [ الأنفال : 46 ] أي فتضعفوا ، لأنه لا يليق به أن يكون المعنى فتجبنوا . ثانيها : التنازع في الأمر وفيه بحثان . البحث الأول : المراد من التنازع انه عليه الصلاة والسلام أمر الرماة بأن لا يبرحوا عن مكانهم ألبتة ، وجعل أميرهم عبدالله بن جبير فلما ظهر المشركون أقبل الرماة عليهم بالرمي الكثير حتى انهزم المشركون ، ثم ان الرماة رأوا نساء المشركين صعدن الجبل وكشفن عن سوقهن بحيث بدت خلاخيلهن ، فقالوا الغنيمة الغنيمة ، فقال عبدالله : عهد الرسول إلينا أن لا نبرح عن هذا المكان فأبوا عليه وذهبوا الى طلب الغنيمة ، وبقي عبدالله مع طائفة قليلة دون العشرة الى أن قتلهم المشركون فهذا هو التنازع . البحث الثاني : قوله : { فِى ٱلأَمْرِ } فيه وجهان : الأول : أن الأمر ههنا بمعنى الشأن والقصة ، أي تنازعتم فيما كنتم فيه من الشأن . والثاني : أنه الأمر الذي يضاده النهي . والمعنى : وتنازعتم فيما أمركم الرسول به من ملازمة ذلك المكان . وثالثها : وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون ، والمراد عصيتم بترك ملازمة ذلك المكان . بقي في هذه الآية سؤالات : الأول : لم قدم ذكر الفشل على ذكر التنازع والمعصية ؟ والجواب : ان القوم لما رأوا هزيمة الكفار وطمعوا في الغنيمة فشلوا في أنفسهم عن الثبات طمعا في الغنيمة ، ثم تنازعوا بطريق القول في أنا : هل نذهب لطلب الغنيمة أم لا ؟ ثم اشتغلوا بطلب الغنيمة . السؤال الثاني : لما كانت المعصية بمفارقة تلك المواضع خاصة بالبعض فلم جاء هذا العتاب باللفظ العام ؟ والجواب : هذا اللفظ وان كان عاماً إلا أنه جاء المخصص بعده ، وهو قوله : { مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ ٱلاْخِرَةَ } . السؤال الثالث : ما الفائدة في قوله : { مّن بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَّا تُحِبُّونَ } . والجواب عنه : أن المقصود منه التنبيه على عظم المعصية ، لأنهم لما شاهدوا أن الله تعالى أكرمهم بانجاز الوعد كان من حقهم أن يمتنعوا عن المعصية ، فلما أقدموا عليها لا جرم سلبهم الله ذلك الاكرام وأذاقهم وبال أمرهم . ثم قال تعالى : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ } وقد اختلف قول أصحابنا وقول المعتزلة في تفسير هذه الآية ، وذلك لأن صرفهم عن الكفار معصية ، فكيف أضافه الى نفسه ؟ أما أصحابنا فهذا الاشكال غير وارد عليهم ، لأن مذهبهم أن الخير والشر بارادة الله وتخليقه ، فعلى هذا قالوا معنى هذا الصرف أن الله تعالى رد المسلمين عن الكفار ، وألقى الهزيمة عليهم وسلط الكفار عليهم ، وهذا قول جمهور المفسرين . قالت المعتزلة : هذا التأويل غير جائز ويدل عليه القرآن والعقل ، أما القرآن فهو قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ ٱلْتَقَى ٱلْجَمْعَانِ إِنَّمَا ٱسْتَزَلَّهُمُ ٱلشَّيْطَـٰنُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُواْ } [ آل عمران : 155 ] فأضاف ما كان منهم الى فعل الشيطان ، فكيف يضيفه بعد هذا الى نفسه ؟ وأما المعقول فهو أنه تعالى عاتبهم على ذلك الانصراف ، ولو كان ذلك بفعل الله لم يجز معاتبة القوم عليه ، كما لا يجوز معاتبتهم على طولهم وقصرهم وصحتهم ومرضهم ، ثم عند هذا ذكروا وجوها من التأويل : الأول : قال الجبائي : إن الرماة كانوا فريقين ، بعضهم فارقوا المكان أولا لطلب الغنائم ، وبعضهم بقوا هناك ، ثم هؤلاء الذين بقوا أحاط بهم العدو ، فلو استمروا على المكث هناك لقتلهم العدو من غير فائدة أصلا ، فلهذا السبب جاز لهم أن يتنحوا عن ذلك الموضع الى موضع يتحرزون فيه عن العدو ، ألا ترى أن النبي صلى الله عليه وسلم ذهب الى الجبل في جماعة من أصحابه وتحصنوا به ولم يكونوا عصاة بذلك ، فلما كان ذلك الانصراف جائزا أضافه الى نفسه بمعنى أنه كان بأمره وإذنه ، ثم قال : { لِيَبْتَلِيَكُمْ } والمراد أنه تعالى لما صرفهم الى ذلك المكان وتحصنوا به أمرهم هناك بالجهاد والذب عن بقية المسلمين ، ولا شك أن الاقدام على الجهاد بعد الانهزام ، وبعد أن شاهدوا في تلك المعركة قتل أقربائهم وأحبائهم هو من أعظم أنواع الابتلاء . فان قيل : فعلى هذا التأويل هؤلاء الذين صرفهم الله عن الكفار ما كانوا مذنبين ، فلم قال : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } . قلنا : الآية مشتملة على ذكر من كان معذورا في الانصراف ومن لم يكن ، وهم الذين بدؤا بالهزيمة فمضوا وعصوا فقوله : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } راجع الى المعذورين ، لأن الآية لما اشتملت على قسمين وعلى حكمين رجع كل حكم الى القسم الذي يليق به ، ونظيره قوله تعالى : { ثَانِيَ ٱثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِى ٱلْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ ٱللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ ٱللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ } [ التوبة : 40 ] والمراد الذي قال له : { لاَ تَحْزَنْ } وهو أبو بكر ، لأنه كان خائفاً قبل هذا القول ، فلما سمع هذا سكن ، ثم قال : { وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا } [ التوبة : 40 ] وعنى بذلك الرسول دون أبي بكر ، لأنه كان قد جرى ذكرهما جميعا ، فهذا جملة ما ذكره الجبائي في هذا المقام . والوجه الثاني : ما ذكره أبو مسلم الأصفهاني ، وهو ان المراد من قوله : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } أنه تعالى أزال ما كان في قلوب الكفار من الرعب من المسلمين عقوبة منه على عصيانهم وفشلهم ، ثم قال : { لِيَبْتَلِيَكُمْ } أي ليجعل ذلك الصرف محنة عليكم لتتوبوا الى الله وترجعوا اليه وتستغفروه فيما خالفتم فيه أمره وملتم فيه إلى الغنيمة ، ثم أعلمهم أنه تعالى قد عفا عنهم . والوجه الثالث : قال الكعبي : { ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ } بأن لم يأمركم بمعاودتهم من فورهم { لِيَبْتَلِيَكُمْ } بكثرة الانعام عليكم والتخفيف عنكم ، فهذا ما قيل في هذا الموضع ، والله أعلم . ثم قال : { وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ } فظاهره يقتضي تقدم ذنب منهم . قال القاضي : إن كان ذلك الذنب من الصغائر صح أن يصف نفسه بأنه عفا عنهم من غير توبة ، وإن كان من باب الكبائر ، فلا بد من إضمار توبتهم لقيام الدلالة على أن صاحب الكبيرة إذا لم يتب لم يكن من أهل العفو والمغفرة . واعلم أن الذنب لا شك أنه كان كبيرة ، لأنهم خالفوا صريح نص الرسول ، وصارت تلك المخالفة سبباً لانهزام المسلمين ، وقتل جمع عظيم من أكابرهم ، ومعلوم أن كل ذلك من باب الكبائر وأيضا : ظاهر قوله تعالى : { وَمَن يُوَلّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ } [ الأنفال : 16 ] يدل على كونه كبيرة ، وقول من قال : إنه خاص في بدر ضعيف ، لأن اللفظ عام ، ولا تفاوت في المقصود ، فكان التخصيص ممتنعا ، ثم إن ظاهر هذه الآية يدل على أنه تعالى عفا عنهم من غير توبة ، لأن التوبة غير مذكورة ، فصار هذا دليلا على أنه تعالى قد يعفو عن أصحاب الكبائر ، وأما دليل المعتزلة في المنع عن ذلك ، فقد تقدم الجواب عنه في سورة البقرة . ثم قال : { وَٱللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ } وهو راجع إلى ما تقدم من ذكر نعمه سبحانه وتعالى بالنصر أولا ، ثم بالعفو عن المذنبين ثانياً . وهذه الآية دالة على أن صاحب الكبيرة مؤمن ، لأنا بيّنا أن هذا الذنب كان من الكبائر ، ثم إنه تعالى سماهم المؤمنين ، فهذا يقتضي أن صاحب الكبيرة مؤمن بخلاف ما تقوله المعتزلة ، والله أعلم .