Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 162-162)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى لما قال : { ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ } [ آل عمران : 161 ] أتبعه بتفصيل هذه الجملة ، وبين ان جزاء المطيعين ما هو ، وجزاء المسيئين ما هو ، فقال : { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : للمفسرين فيه وجوه : الأول : { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } في ترك الغلول { كَمَن بَاء بِسَخطٍ مّنَ ٱللَّهِ } في فعل الغلول ، وهو قول الكلبي والضحاك . الثاني : { أفمن اتبع رضوان الله } بالإيمان به والعمل بطاعته ، { كمن باء بسخط من الله } بالكفر به والاشتغال بمعصيته ، الثالث : { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } وهم المهاجرون ، { كَمَن بَاء بِسَخطٍ مّنَ ٱللَّهِ } وهم المنافقون ، الرابع : قال الزجاج : لما حمل المشركون على المسلمين دعا النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه الى أن يحملوا على المشركين ، ففعله بعضهم وتركه آخرون . فقال : { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } وهم الذين امتثلوا أمره { كَمَن بَاء بِسَخطٍ مّنَ ٱللَّهِ } وهم الذين لم يقبلوا قوله ، وقال القاضي : كل واحد من هذه الوجوه صحيح ، ولكن لا يجوز قصر اللفظ عليه لأن اللفظ عام ، فوجب أن يتناول الكل . لأن كل من أقدم على الطاعة فهو داخل تحت قوله { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } وكل من أخلد الى متابعة النفس والشهوة فهو داخل تحت قوله : { كَمَن بَاء بِسَخطٍ مّنَ ٱللَّهِ } أقصى ما في الباب أن الآية نازلة في واقعة معينة ، لكنك تعلم أن عموم اللفظ لا يبطل لأجل خصوص السبب . المسألة الثانية : قوله : { أَفَمَنِ ٱتَّبَعَ } الهمزة فيه للانكار ، والفاء للعطف على محذوف تقديره : أمن اتقى فاتبع رضوان الله . المسألة الثالثة : قوله : { بَاء بِسَخطٍ } أي احتمله ورجع به ، وقد ذكرناه في سورة البقرة . المسألة الرابعة : قرأ عاصم في إحدى الروايتين عنه : { رِضْوٰنَ ٱللَّهِ } بضم الراء ، والباقون بالكسر وهما مصدران ، فالضم كالكفران ، والكسر كالحسبان . المسألة الخامسة : قوله : { وَمَأْوَٰهُ جَهَنَّمُ } من صلة ما قبله والتقدير : كمن باء بسخط من الله وكان مأواه جهنم ، فأما قوله : { وَبِئْسَ ٱلْمَصِيرُ } فمنقطع عما قبله وهو كلام مبتدأ ، كأنه لما ذكر جهنم أتبعه بذكر صفتها . المسألة السادسة : نظير هذه الآية قوله تعالى : { أَمْ حَسِبَ ٱلَّذِينَ ٱجْتَرَحُواْ ٱلسَّيِّئَاتِ أَن نَّجْعَلهُمْ كـَٱلَّذِينَ آمنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصـَّٰلِحـَٰتِ سَوَآءً مَّحْيَاهُمْ ومماتُهُمْ } [ الجاثية : 21 ] وقوله : { أَفَمَن كَانَ مُؤْمِناً كَمَن كَانَ فَاسِقاً لاَّ يَسْتَوُونَ } [ السجدة : 18 ] وقوله : { أَمْ نَجْعَلُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ كَٱلْمُفْسِدِينَ فِى ٱلأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ ٱلْمُتَّقِينَ كَٱلْفُجَّارِ } [ ص : 28 ] واحتج القوم بهذه الآية على أنه لا يجوز من الله تعالى أن يدخل المطيعين في النار ، وأن يدخل المذنبين الجنة ، وقالوا : انه تعالى ذكر ذلك على سبيل الاستبعاد ، ولولا أنه ممتنع في العقول ، وإلا لما حسن هذا الاستبعاد ، وأكد القفال ذلك فقال : لا يجوز في الحكمة أن يسوى المسيء بالمحسن ، فإن فيه إغراء بالمعاصي وإباحة لها وإهمالا للطاعات .