Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 165-165)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما أخبر عن المنافقين أنهم طعنوا في الرسول صلى الله عليه وسلم بأن نسبوه إلى الغلول والخيانة ، حكى عنهم شبهة أخرى في هذه الآية وهي قولهم : لو كان رسولا من عند الله لما انهزم عسكره من الكفار في يوم أحد : وهو المراد من قولهم : { أنى هذا } ، وأجاب الله عنه بقوله : { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } أي هذا الانهزام إنما حصل بشؤم عصيانكم فهذا بيان وجه النظم . وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : تقرير الآية : { أَوَ لَمَّا أَصَـٰبَتْكُمْ مُّصِيبَةٌ } المراد منها واقعة أحد ، وفي قوله : { قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا } قولان : الأول : وهو قول الأكثرين أن معناه قد أصبتم يوم بدر ، وذلك لأن المشركين قتلوا من المسلمين يوم أحد سبعين ، وقتل المسلمون منهم يوم بدر سبعين وأسروا سبعين . والثاني : أن المسلمين هزموا الكفار يوم بدر ، وهزموهم أيضاً في الأول يوم أحد ، ثم لما عصوا هزمهم المشركون ، فانهزام المشركين حصل مرتين ، وانهزام المسلمين حصل مرة واحدة ، وهذا اختيار الزجاج : وطعن الواحدي في هذا الوجه فقال : كما أن المسلمين نالوا من المشركين يوم بدر ، فكذلك المشركون نالوا من المسلمين يوم أحد ، ولكنهم ما هزموا المسلمين ألبتة ، أما يوم أحد فالمسلمون هزموا المشركين أولا ثم انقلب الأمر . المسألة الثانية : الفائدة في قوله : { قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا } هو التنبيه على أن أمور الدنيا لا تبقى على نهج واحد ، فلما هزمتموهم مرتين فأي استبعاد في أن يهزموكم مرة واحدة ، أما قوله : { قُلْتُمْ أَنَّىٰ هَـٰذَا } ففيه مسألتان : المسألة الأولى : سبب تعجبهم أنهم قالوا نحن ننصر الاسلام الذي هو دين الحق ، ومعنا الرسول ، وهم ينصرون دين الشرك بالله والكفر ، فكيف صاروا منصورين علينا ! واعلم أنه تعالى أجاب عن هذه الشبهة من وجهين : الأول : ما أدرجه عند حكاية السؤال وهو قوله { قَدْ أَصَبْتُمْ مّثْلَيْهَا } يعني أن أحوال الدنيا لا تبقى على نهج واحد ، فاذا أصبتم منهم مثل هذه الواقعة … فكيف تستبعدون هذه الواقعة ؟ والثاني : قوله قل : { هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : تقرير هذا الجواب من وجهين : الأول : أنكم إنما وقعتم في هذه المصيبة بشؤم معصيتكم وذلك لأنهم عصوا الرسول في أمور : أولها : أن الرسول عليه السلام قال : المصلحة في أن لا نخرج من المدينة بل نبقى ههنا ، وهم أبوا إلا الخروج ، فلما خالفوه توجه إلى أحد . وثانيها : ما حكى الله عنهم من فشلهم . وثالثها : ما وقع بينهم من المنازعة . ورابعها : أنهم فارقوا المكان وفرقوا الجمع . وخامسها : اشتغالهم بطلب الغنيمة وإعراضهم عن طاعة الرسول عليه السلام في محاربة العدو ، فهذه الوجوه كلها ذنوب ومعاصي ، والله تعالى إنما وعدهم النصر بشرط ترك المعصية ، كما قال : { إِن تَصْبِرُواْ وَتَتَّقُواْ وَيَأْتُوكُمْ مّن فَوْرِهِمْ هَـٰذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ } [ آل عمران : 125 ] فلما فات الشرط لا جرم فات المشروط . الوجه الثاني : في التأويل : ما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال : جاء جبريل عليه السلام إلى النبي صلى الله عليه وسلم يوم بدر ، فقال : يا محمد إن الله قد كره ما صنع قومك في أخذهم الفداء من الأسارى ، وقد أمرك أن تخيرهم بين أن يقدموا الأسارى فيضربوا أعناقهم ، وبين أن يأخذوا الفداء على أن تقتل منهم عدتهم ، فذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لقومه ، فقالوا : يا رسول الله عشائرنا وإخواننا نأخذ الفداء منهم ، فنتقوى به على قتال العدو ، ونرضى أن يستشهد منا بعددهم ، فقتل يوم أحد سبعون رجلا عدد أسارى أهل بدر ، فهو معنى قوله : { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } أي بأخذ الفداء واختياركم القتل . المسألة الثانية : استدلت المعتزلة على أن أفعال العبد غير مخلوقة لله تعالى بقوله : { قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } من وجوه : أحدها : أن بتقدير أن يكون ذلك حاصلا بخلق الله ولا تأثير لقدرة العبد فيه ، كان قوله : { مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ } كذباً ، وثانيها : أن القوم تعجبوا أن الله كيف يسلط الكافر على المؤمن ، فالله تعالى أزال التعجب بأن ذكر أنكم إنما وقعتم في هذا المكروه بسبب شؤم فعلكم ، فلو كان فعلهم خلقاً لله لم يصح هذا الجواب . وثالثها : أن القوم قالوا : { أَنَّىٰ هَـٰذَا } ، أي من أين هذا فهذا طلب لسبب الحدوث ، فلو لم يكن المحدث لها هو العبد لم يكن الجواب مطابقا للسؤال . والجواب : أنه معارض بالآيات الدالة على كون أفعال العبد بايجاد الله تعالى . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَىْء } أي إنه قادر على نصركم لو ثبتم وصبرتم ، كما أنه قادر على التخلية إذا خالفتم وعصيتم ، واحتج أصحابنا بهذا على أن فعل العبد مخلوق لله تعالى قالوا : إن فعل العبد شيء فيكون مخلوقا لله تعالى قادرا عليه ، وإذا كان الله قادرا على إيجاده ، فلو أوجده العبد امتنع كونه تعالى قادرا على إيجاده لأنه لما أوجده العبد امتنع من الله إيجاده ، لأن إيجاد الموجود محال فلما كان كون العبد موجوداً له يفضي إلى هذا المحال ، وجب أن لا يكون العبد موجدا له ، والله أعلم .