Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 62-63)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسائل : المسألة الأولى : قوله { إِنَّ هَذَا } إشارة إلى ما تقدم ذكره من الدلائل ، ومن الدعاء إلى المباهلة { لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } والقصص هو مجموع الكلام المشتمل على ما يهدي إلى الدين ، ويرشد إلى الحق ويأمر بطلب النجاة فبين تعالى إن الذي أنزله على نبيه هو القصص الحق ليكون على ثقة من أمره ، والخطاب وإن كان معه فالمراد به الكل . المسألة الثانية : { هُوَ } في قوله { لَهُوَ ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } فيه قولان أحدهما : أن يكون فصلاً وعماداً ، ويكون خبر { إِن } هو قوله { ٱلْقَصَصُ ٱلْحَقُّ } . فإن قيل : فكيف جاز دخول اللام على الفصل ؟ . قلنا : إذا جاز دخولها على الخبر كان دخولها على الفصل أجود ، لأنه أقرب إلى المبتدأ منه ، وأصلها أن تدخل على المبتدأ . والقول الثاني : إنه مبتدأ ، والقصص خبره ، والجملة خبر { إِن } . المسألة الثالثة : قرىء { لَهُوَ } بتحريك الهاء على الأصل ، وبالسكون لأن اللام ينزل من { هُوَ } منزلة بعضه فخفف كما خفف عضد . المسألة الرابعة : يقال : قص فلان الحديث يقصه قصاً وقصصاً ، وأصله اتباع الأثر ، يقال : خرج فلان قصصاً ، وفي أثر فلان ، وقصاً ، وذلك إذا اقتص أثره ، ومنه قوله تعالى : { وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصّيهِ } [ القصص : 11 ] وقيل للقاص إنه قاص لاتباعه خبراً بعد خبر ، وسوقه الكلام سوقاً ، فمعنى القصص الخبر المشتمل على المعاني المتتابعة . ثم قال : { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } وهذا يفيد تأكيد النفي ، لأنك لو قلت عندي من الناس أحد ، أفاد أن عندك بعض الناس ، فإذا قلت ما عندي من الناس من أحد ، أفاد أنه ليس عندك بعضهم ، وإذا لم يكن عندك بعضهم ، فبأن لا يكون عندك كلهم أولى فثبت أن قوله { وَمَا مِنْ إِلَـٰهٍ إِلاَّ ٱللَّهُ } مبالغة في أنه لا إلٰه إلا الله الواحد الحق سبحانه وتعالى . ثم قال : { وَإِنَّ ٱللَّهَ لَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } وفيه إشارة إلى الجواب عن شبهات النصارى ، وذلك لأن اعتمادهم على أمرين أحدهما : أنه قدر على إحياء الموتى وإبراء الأكمه والأبرص ، فكأنه تعالى قال : هذا القدر من القدرة لا يكفي في الإلٰهية ، بل لا بد وأن يكون عزيزاً غالباً لا يدفع ولا يمنع ، وأنتم قد اعترفتم بأن عيسى ما كان كذلك ، وكيف وأنتم تقولون إن اليهود قتلوه ؟ والثاني : أنهم قالوا : إنه كان يخبر عن الغيوب وغيرها ، فيكون إلٰهاً ، فكأنه تعالى قال : هذا القدر من العلم لا يكفي في الإلٰهية ، بل لا بد وأن يكون حكيماً ، أي عالماً بجميع المعلومات وبجميع عواقب الأمور ، فذكر { ٱلعَزِيزُ ٱلحَكِيمُ } ههنا إشارة إلى الجواب عن هاتين الشبهتين ونظير هذه الآية ما ذكره تعالى في أول السورة من قوله { هُوَ ٱلَّذِي يُصَوّرُكُمْ فِي ٱلأَرْحَامِ كَيْفَ يَشَاء لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْحَكِيمُ } [ آل عمران : 6 ] . ثم قال : { فَإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّ ٱللَّهَ عَلِيمٌ بِٱلْمُفْسِدِينَ } والمعنى : فإن تولوا عما وصفت من أن الله هو الواحد ، وأنه يجب أن يكون عزيزاً غالباً قادراً على جميع المقدورات ، حكيماً عالماً بالعواقب والنهايات مع أن عيسى عليه السلام ما كان عزيزاً غالباً ، وما كان حكيماً عالماً بالعواقب والنهايات . فاعلم أن توليهم وإعراضهم ليس إلا على سبيل العناد فاقطع كلامك عنهم وفوض أمرهم إلى الله ، فإن الله عليم بفساد المفسدين ، مطلع على ما في قلوبهم من الأغراض الفاسدة ، قادر على مجازاتهم .