Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 71-71)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن علماء اليهود والنصارى كانت لهم حرفتان إحداهما : أنهم كانوا يكفرون بمحمد صلى الله عليه وسلم مع أنهم كانوا يعلمون بقلوبهم أنه رسول حق من عند الله والله تعالى نهاهم عن هذه الحرفة في الآية الأولى وثانيتهما : إنهم كانوا يجتهدون في إلقاء الشبهات ، وفي إخفاء الدلائل والبينات والله تعالى نهاهم عن هذه الحرفة في هذه الآية الثانية ، فالمقام الأول مقام الغواية والضلالة والمقام الثاني مقام الإغواء والإضلال ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : قرىء { تَلْبِسُونَ } بالتشديد ، وقرأ يحيـى بن و ثاب { تَلْبِسُونَ } بفتح الباء ، أي تلبسون الحق مع الباطل ، كقوله عليه السلام : " " كلابس ثوبي زور " " وقوله . @ إذا هـو بالمجـد ارتـدى وتـأزرا @@ المسألة الثانية : اعلم أن الساعي في إخفاء الحق لا سبيل له إلى ذلك إلا من أحد وجهين : إما بإلقاء شبهة تدل على الباطل ، وإما بإخفاء الدليل الذي يدل على الحق ، فقوله { لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ } إشارة إلى المقام الأول وقوله { وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ } إشارة إلى المقام الثاني أما لبس الحق بالباطل فإنه يحتمل ههنا وجوهاً أحدها : تحريف التوراة ، فيخلطون المنزل بالمحرف ، عن الحسن وابن زيد وثانيها : إنهم تواضعوا على إظهار الإسلام أول النهار ، ثم الرجوع عنه في آخر النهار ، تشكيكاً للناس ، عن ابن عباس وقتادة وثالثها : أن يكون في التوراة ما يدل على نبوته صلى الله عليه وسلم من البشارة والنعت والصفة ويكون في التوراة أيضاً ما يوهم خلاف ذلك ، فيكون كالمحكم والمتشابه فيلبسون على الضعفاء أحد الأمرين بالآخر كما يفعله كثير من المشبهة ، وهذا قول القاضي ورابعها : أنهم كانوا يقولون محمداً معترف بأن موسى عليه السلام حق ، ثم إن التوراة دالة على أن شرع موسى عليه السلام لا ينسخ وكل ذلك إلقاء للشبهات . أما قوله تعالى : { وَتَكْتُمُونَ ٱلْحَقَّ } فالمراد أن الآيات الموجودة في التوراة الدالة على نبوّة محمد صلى الله عليه وسلم كان الاستدلال بها مفتقراً إلى التفكر والتأمل ، والقوم كانوا يجتهدون في إخفاء تلك الألفاظ التي كان بمجموعها يتم هذا الاستدلال مثل ما أن أهل البدعة في زماننا يسعون في أن لا يصل إلى عوامهم دلائل المحققين . أما قوله { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } ففيه وجوه أحدها : إنكم تعلمون أنكم إنما تفعلون ذلك عناداً وحسداً وثانيها : { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أي أنتم أرباب العلم والمعرفة لا أرباب الجهل والخرافة وثالثها : { وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ } أن عقاب من يفعل مثل هذه الأفعال عظيم . المسألة الثالثة : قال القاضي : قوله تعالى : { لِمَ تَكْفُرُونَ } و { لِمَ تَلْبِسُونَ ٱلْحَقَّ بِٱلْبَـٰطِلِ } دال على أن ذلك فعلهم ، لأنه لا يجوز أن يخلقه فيهم ، ثم يقول : لم فعلتم ؟ وجوابه : أن الفعل يتوقف على الداعية فتلك الداعية إن حدثت لا لمحدث لزم نفي الصانع ، وإن كان محدثها هو العبد افتقر إلى إرادة أخرى وإن كان محدثها هو الله تعالى لزمكم ما ألزمتموه علينا ، والله أعلم .