Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 33-33)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما بين التوحيد بالدليل وبالمثل ، بين أن لهم حالة يعرفون بها ، وإن كانوا ينكرونها في وقت وهي حالة الشدة ، فإن عند انقطاع رجائه عن الكل يرجع إلى الله ، ويجد نفسه محتاجة إلى شيء ليس كهذه الأشياء طالبة به النجاة { ثُمَّ إِذَا أَذَاقَهُمْ مّنْهُ رَحْمَةً إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ بِرَبّهِمْ يُشْرِكُونَ } يعني إذا خلصناه يشرك بربه ويقول تخلصت بسبب اتصال الكوكب الفلاني بفلان ، وبسبب الصنم الفلاني ، لا ، بل ينبغي أن لا يعتقد أنه تخلص بسبب فلان إذا كان ظاهراً فإنه شرك خفي ، مثاله رجل في بحر أدركه الغرق فيهيىء له لوحاً يسوقه إليه ريح فيتعلق به وينجو ، فيقول تخلصت بلوح ، أو رجل أقبل عليه سبع فيرسل الله إليه رجلاً فيعينه فيقول خلصني زيد ، فهذا إذا كان عن اعتقاد فهو شرك خفي ، وإن كان بمعنى أن الله خلصني على يد زيد فهو أخفى ، وفيه مسائل : المسألة الأولى : قوله تعالى : { أَذَاقَهُمْ } فيه لطيفة وذلك لأن الذوق يقال في القليل فإن العرف أن من أكل مأكولاً كثيراً لا يقول ذقت ، ويقال في النفي ما ذقت في بيته طعاماً نفياً للقليل ليلزم نفي الكثير بالأولى ، ثم إن تلك الرحمة لما كانت خالية منقطعة ولم تكن مستمرة في الآخرة إذ لهم في الآخرة عذاب قال أذاقهم ولهذا قال في العذاب : { ذُوقُواْ مَسَّ سَقَرَ } [ القمر : 48 ] { ذُوقُواْ مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ } [ العنكبوت : 55 ] { ذُقْ إِنَّكَ أَنتَ ٱلْعَزِيزُ ٱلْكَرِيمُ } [ الدخان : 49 ] لأن عذاب الله الواصل إلى العبد بالنسبة إلى الرحمة الواصلة إلى عبيد آخرين في غاية القلة . المسألة الثانية : قوله تعالى : { مِنْهُ } أي من الضر في هذا التخصيص ما ذكرناه من الفائدة وهي أن الرحمة غير مطلقة لهم إنما هي عن ذلك الضر وحده ، وأما الضر المؤخر فلا يذوقون منه رحمة . المسألة الثالثة : قال ههنا { إِذَا فَرِيقٌ مّنْهُمْ } وقال في العنكبوت : { فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى ٱلْبَرّ إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ } [ العنكبوت : 65 ] ولم يقل فريق وذلك لأن المذكور هناك ضر معين ، وهو ما يكون من هول البحر والمتخلص منه بالنسبة إلى الخلق قليل ، والذي لا يشرك به بعد الخلاص فرقة منهم في غاية القلة فلم يجعل المشركين فريقاً لقلة من خرج من المشركين ، وأما المذكور ههنا الضر مطلقاً فيتناول ضر البر والبحر والأمراض والأهون والمتخلص من أنواع الضر خلق كثير بل جميع الناس يكونون قد وقعوا في ضر ما وتخلصوا منه ، والذي لا يبقى بعد الخلاص مشركاً من جميع الأنواع إذا جمع فهو خلق عظيم ، وهو جميع المسلمين فإنهم تخلصوا من ضر ولم يبقوا مشركين ، وأما المسلمون فلم يتخلصوا من ضر البحر بأجمعهم ، فلما كان الناجي من الضر من المؤمنين جمعاً كثيراً ، جعل الباقي فريقاً .