Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 46-46)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَمِنْ ءايَـٰتِهِ أَن يُرْسِلَ ٱلرّيَـٰحَ مُبَشّرٰتٍ } لما ذكر أن ظهور الفساد والهلاك بسبب الشرك ذكر ظهور الصلاح ولم يذكر أنه بسبب العمل الصالح ، لما ذكرنا غير مرة أن الكريم لا يذكر لإحسانه عوضاً ، ويذكر لأضراره سبباً لئلا يتوهم به الظلم فقال : { يُرْسِلَ ٱلرّيَـٰحَ مُبَشّرٰتٍ } قيل بالمطر كما قال تعالى : { بُشْرًاَ بَيْنَ يَدَىْ رَحْمَتِهِ } [ الأعراف : 57 ] أي قبل المطر ويمكن أن يقال مبشرات بصلاح الأهوية والأحوال ، فإن الرياح لو لم تهب لظهر الوباء والفساد . ثم قال تعالى : { وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رَّحْمَتِهِ } عطف على ما ذكرنا ، أي ليبشركم بصلاح الهواء وصحة الأبدان { وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رَّحْمَتِهِ } بالمطر ، وقد ذكرنا أن الإذاقة تقال في القليل ، ولما كان أمر الدنيا قليلاً وراحتها نزر قال : { وَلِيُذِيقَكُمْ } ، وأما في الآخرة فيرزقهم ويوسع عليهم ويديم لهم { وَلِتَجْرِىَ ٱلْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُواْ مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تُشْرِكُونَ } لما أسند الفعل إلى الفلك عقبه بقوله : { بِأَمْرِهِ } أي الفعل ظاهراً عليه ولكنه بأمر الله ، ولذلك لما قال : { وَلِتَبْتَغُواْ } مسنداً إلى العباد ذكر بعده { مِن فَضْلِهِ } أي لا استقلال لشيء بشيء وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : في الترتيب فنقول في الرياح فوائد ، منها إصلاح الهواء ، ومنها إثارة السحاب ، ومنها جريان الفلك بها فقال : { مُبَشّرٰتٍ } بإصلاح الهواء فإن إصلاح الهواء يوجد من نفس الهبوب ثم الأمطار بعده ، ثم جريان الفلك فإنه موقوف على اختبار من الآدمي بإصلاح السفن وإلقائها على البحر ثم ابتغاء الفضل بركوبها . المسألة الثانية : قال في قوله تعالى : { ظَهَرَ ٱلْفَسَادُ … لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ ٱلَّذِى عَمِلُواْ } [ الروم : 41 ] وقال ههنا { وَلِيُذِيقَكُمْ مّن رَّحْمَتِهِ } فخاطب ههنا تشريفاً ولأن رحمته قريباً من المحسنين فالمحسن قريب فيخاطب والمسيء بعيد فلم يخاطبهم ، وأيضاً قال هناك بعض الذي علموا وقال ههنا { مّن رَّحْمَتِهِ } فأضاف ما أصابهم إلى أنفسهم وأضاف ما أصاب المؤمن إلى رحمته وفيه معنيان : أحدهما : ما ذكرنا أن الكريم لا يذكر لإحسانه ورحمته عوضاً ، وإن وجد فلا يقول أعطيتك لأنك فعلت كذا بل يقول هذا لك مني . وأما ما فعلت من الحسنة فجزاؤه بعد عندي وثانيهما : أن ما يكون بسبب فعل العبد قليل ، فلو قال أرسلت الرياح بسبب فعلكم لا يكون بشارة عظيمة ، وأما إذا قال { مّن رَّحْمَتِهِ } كان غاية البشارة ، ومعنى ثالث وهو أنه لو قال بما فعلتم لكان ذلك موهماً لنقصان ثوابهم في الآخرة ، وأما في حق الكفار فإذا قال بما فعلتم ينبىء عن نقصان عقابهم وهو كذلك . المسألة الثالثة : قال هناك { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } وقال ههنا { وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ } قالوا وإشارة إلى أن توفيقهم للشكر من النعم فعطف على النعم . المسألة الرابعة : إنما أخر هذه الآية لأن في الآيات التي قد سبق ذكرها قلنا إنه ذكر من كل باب آيتين فذكر من المنذرات { يُرِيكُمُ ٱلْبَرْقَ } والحادث في الجو في أكثر الأمر نار وريح فذكر الرياح ههنا تذكيراً وتقريراً للدلائل ، ولما كانت الريح فيها فائدة غير المطر وليس في البرق فائدة إن لم يكن مطر ذكر هناك خوفاً وطمعاً ، أي قد يكون وقد لا يكون وذكر ههنا { مُبَشّرٰتٍ } لأن تعديل الهواء أو تصفيته بالريح أمر لازم ، وحكمه به حكم جازم .