Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 9-9)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقال في الدليلين المتقدمين : { أَوَلَمْ يَرَوْاْ } [ العنكبوت : 19 ، 67 ] ولم يقل : { أَوَلَمْ يَسيرُواْ } إذ لا حاجة هناك إلى السير بحضور النفس والسماء والأرض وقال ههنا : { أَوَلَمْ يَسيرُواْ … فَيَنظُرُواْ } ذكرهم بحال أمثالهم ووبال أشكالهم ، ثم ذكر أنهم أولى بالهلاك لأن من تقدم من عاد وثمود كانوا أشد منهم قوة ولم تنفعهم قواهم وكانوا أكثر مالاً وعمارة ، ولم يمنع عنهم الهلاك أموالهم وحصونهم ، واعلم أن اعتماد الإنسان على ثلاثة أشياء قوة جسمية فيه أو في أعوانه إذ بها المباشرة وقوة مالية إذ بها التأهب للمباشرة ، وقوة ظهرية يستند إليها عند الضعف والفتور وهي بالحصون والعمائر ، فقال تعالى : كانوا أشد منهم قوة في الجسم وأكثر منهم مالاً لأنهم أثاروا الأرض أي حرثوها ، ومنه بقرة تثير الأرض ، وقيل منه سمي ثوراً ، وأنتم لا حراثة لكم فأموالهم كانت أكثر ، وعمارتهم كانت أكثر لأن أبنيتهم كانت رفيعة وحصونهم منيعة ، وعمارة أهل مكة كانت يسيرة ثم هؤلاء جاءتهم رسلهم بالبينات وأمروهم ونهوهم ، فلما كذبوا أهلكوا فكيف أنتم ، وقوله : { فَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ } يعني لم يظلمهم بالتكليف ، فإن التكليف شريف لا يؤثر له إلا محل شريف ولكن هم ظلموا أنفسهم بوضعها في موضع خسيس ، وهو عبادة الأصنام واتباع إبليس ، فكأن الله بالتكليف وضعهم فيما خلقوا له وهو الربح ، لأنه تعالى قال خلقتكم لتربحوا علي لا لأربح عليكم ، والوضع في أي موضع كان الخلق له ليس بظلم ، وأما هم فوضعوا أنفسهم في مواضع الخسران ولم يكونوا خلقوا إلا للربح فهم كانوا ظالمين ، وهذا الكلام منا وإن كان في الظاهر يشبه كلام المعتزلة لكن العاقل يعلم كيف يقوله أهل السنة ، وهو أن هذا الوضع كان بمشيئة الله وإرادته ، لكنه كان منهم ومضافاً إليهم .