Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 31, Ayat: 12-12)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } لما بين الله فساد اعتقادهم بسبب عنادهم بإشراك من لا يخلق شيئاً بمن خلق كل شيء بقوله : { هَـٰذَا خَلْقُ ٱللَّهِ فَأَرُونِى مَاذَا خَلَقَ ٱلَّذِينَ مِن دُونِهِ } وبين أن المشرك ظالم ضال ، ذكر ما يدل على أن ضلالهم وظلمهم بمقتضى الحكمة وإن لم يكن هناك نبوة وهذا إشارة إلى معنى ، وهو أن اتباع النبـي عليه السلام لازم فيما لا يعقل معناه إظهاراً للتعبد فكيف ما لا يختص بالنبوة ، بل يدرك بالعقل معناه وما جاء به النبـي عليه السلام مدرك بالحكمة وذكر حكاية لقمان وأنه أدركه بالحكمة وقوله : { وَلَقَدْ ءاتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ } عبارة عن توفيق العمل بالعلم ، فكل من أوتي توفيق العمل بالعلم فقد أوتي الحكمة ، وإن أردنا تحديدها بما يدخل فيه حكمة الله تعالى ، فنقول حصول العمل على وفق المعلوم ، والذي يدل على ما ذكرنا أن من تعلم شيئاً ولا يعلم مصالحه ومفاسده لا يسمى حكيماً وإنما يكون مبخوتاً ، ألا ترى أن من يلقي نفسه من مكان عال ووقع على موضع فانخسف به وظهر له كنز وسلم لا يقال إنه حكيم ، وإن ظهر لفعله مصلحة وخلو عن مفسدة ، لعدم علمه به أولاً ، ومن يعلم أن الإلقاء فيه إهلاك النفس ويلقي نفسه من ذلك المكان وتنكسر أعضاؤه لا يقال إنه حكيم وإن علم ما يكون في فعله ، ثم الذي يدل على ما ذكرنا قوله تعالى : { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } فإن أن في مثل هذا تسمى المفسرة ففسر الله إيتاء الحكمة بقوله : { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } وهو كذلك ، لأن من جملة ما يقال إن العمل موافق للعلم ، لأن الإنسان إذا علم أمرين أحدهما أهم من الآخر ، فإن اشتغل بالأهم كان عمله موافقاً لعلمه وكان حكمة ، وإن أهمل الأهم كان مخالفاً للعلم ولم يكن من الحكمة في شيء ، لكن شكر الله أهم الأشياء فالحكمة أول ما تقتضي ، ثم إن الله تعالى بين أن بالشكر لا ينتفع إلا الشاكر بقوله : { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } وبين أن بالكفران لا يتضرر غير الكافر بقوله : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ حَمِيدٌ } أي الله غير محتاج إلى شكر حتى يتضرر بكفران الكافر وهو في نفسه محمود سواء شكره الناس أو لم يشكروه ، وفي الآية مسائل ولطائف الأولى : فسر الله إيتاء الحكمة بالأمر بالشكر ، لكن الكافر والجاهل مأموران بالشكر فينبغي أن يكون قد أوتي الحكمة والجواب : أن قوله تعالى : { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } أمر تكوين معناه آتيناه الحكمة بأن جعلناه من الشاكرين ، وفي الكافر الأمر بالشكر أمر تكليف . المسألة الثانية : قال في الشكر { ومن يشكر } بصيغة المستقبل ، وفي الكفران { ومن كفر فإن الله غني } ، وإن كان الشرط يجعل الماضي والمستقبل في معنى واحد ، كقول القائل : من دخل داري فهو حر ، ومن يدخل داري فهو حر ، فنقول فيه إشارة إلى معنى وإرشاد إلى أمر ، وهو أن الشكر ينبغي أن يتكرر في كل وقت لتكرر النعمة ، فمن شكر ينبغي أن يكرر ، والكفر ينبغي أن ينقطع فمن كفر ينبغي أن يترك الكفران ، ولأن الشكر من الشاكر لا يقع بكماله ، بل أبداً يكون منه شيء في العدم يريد الشاكر إدخاله في الوجود ، كما قال : { رَبّ أَوْزِعْنِى أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَك } [ النمل : 19 ] وكما قال تعالى : { وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ ٱللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا } [ النحل : 18 ] فأشار إليه بصيغة المستقبل تنبيهاً على أن الشكر بكماله لم يوجد وأما الكفران فكل جزء يقع منه تام ، فقال بصيغة الماضي . المسألة الثالثة : قال تعالى هنا : { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَن كَفَرَ } بتقديم الشكر على الكفران ، وقال في سورة الروم : { وَمَن كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَمَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً فَلأَنفُسِهِمْ يَمْهَدُون } [ الروم : 44 ] فنقول هناك كان الذكر للترهيب لقوله تعالى من قبل : { فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدّينَ ٱلْقِيّمِ مِن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌ لاَّ مَرَدَّ لَهُ مِنَ ٱللَّهِ يَوْمَئِذٍ يَصَّدَّعُون } [ الروم : 43 ] وههنا الذكر للترغيب ، لأن وعظ الأب للابن يكون بطريق اللطف والوعد ، وقوله : { وَمَنْ عَمِلَ صَـٰلِحاً } يحقق ما ذكرنا أولاً ، لأن المذكور في سورة الروم لما كان بعد اليوم الذي لا مرد له تكون الأعمال قد سبقت فقال بلفظ الماضي ومن عمل ، وههنا لما كان المذكور في الابتداء قال { وَمَن يَشْكُرْ } بلفظ المستقبل وقوله : { وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ ٱلله غَنِىٌّ } عن حمد الحامدين ، حميد في ذاته من غير حمدهم ، وإنما الحامد ترتفع مرتبته بكونه حامداً لله تعالى .