Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 20-20)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما استدل بقوله تعالى : { خَلَقَ ٱلسَّمَٰوَٰتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ } على الوحدانية ، وبين بحكاية لقمان أن معرفة ذلك غير مختصة بالنبوة بل ذلك موافق للحكمة ، وما جاء به النبـي عليه السلام من التوحيد والصلاة ومكارم الأخلاق كلها حكمة بالغة ، ولو كان تعبداً محضاً للزم قبوله ، فضلاً عن أنه على وفق الحكمة ، استدل على الوحدانية بالنعمة لأنا بينا مراراً أن الملك يخدم لعظمته ، وإن لم ينعم ويخدم لنعمته أيضاً ، فلما بين أنه المعبود لعظمته بخلقه السموات بلا عمد وإلقائه في الأرض الرواسي . وذكر بعض النعم بقوله : { وَأَنزَلْنَا مِنَ ٱلسَّمَاء مَاء } [ لقمان : 10 ] ذكر بعده عامة النعم فقال : { سَخَّرَ لَكُم مَّا فِى ٱلسَّمَـٰوَاتِ } أي سخر لأجلكم ما في السموات ، فإن الشمس والقمر والنجوم مسخرات بأمر الله وفيها فوائد لعباده ، وسخر ما في الأرض لأجل عباده ، وقوله : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَـٰهِرَةً } وهي ما في الأعضاء من السلامة { وَبَاطِنَةً } وهي ما في القوى فإن العضو ظاهر وفيه قوة باطنة ، ألا ترى أن العين والأذن شحم وغضروف ظاهر ، واللسان والأنف لحم وعظم ظاهر ، وفي كل واحد معنى باطن من الأبصار والسمع والذوق والشم ، وكذلك كل عضو ، وقد تبطل القوة ويبقى العضو قائماً ، وهذا أحسن مما قيل فإن على هذا الوجه يكون الاستدلال بنعمة الآفاق وبنعمة الأنفس فقوله : { مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ } يكون إشارة إلى النعم الآفاقية ، وقوله : { وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَـٰهِرَةً وَبَاطِنَةً } يكون إشارة إلى النعم الأنفسية ، وفيهما أقوال كثيرة مذكورة في جميع كتب التفاسير ، ولا يبعد أن يكون ما ذكرناه مقولاً منقولاً ، وإن لم يكن فلا يخرج من أن يكون سائغاً معقولاً . ثم قال تعالى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يُجَـٰدِلُ فِى ٱللَّهِ } يعني لما ثبت الوحدانية بالخلق والإنعام فمن الناس من يجادل في الله ويثبت غيره ، إما إلهاً أو منعماً { بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلاَ هُدًى وَلاَ كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ } هذه أمور ثلاثة مرتبة العلم والهدى والكتاب ، والعلم أعلى من الهدى والهدى من الكتاب ، وبيانه هو أن العلم تدخل فيه الأشياء الواضحة اللائحة التي تعلم من غير هداية هاد ، ثم الهدى يدخل فيه الذي يكون في كتاب والذي يكون من إلهام ووحي ، فقال تعالى : { يُجَـٰدِلُ } ذلك المجادل لا من علم واضح ، ولا من هدى أتاه من هاد ، ولا من كتاب وكأن الأول إشارة إلى من أوتي من لدنه علماً كما قال تعالى : { وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ } [ النساء : 113 ] والثاني : إشارة إلى مرتبة من هدى إلى صراط مستقيم بواسطة كما قال تعالى : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [ النجم : 5 ] والثالث : إشارة إلى مرتبة من اهتدى بواسطتين ولهذا قال تعالى : { الم * ذٰلِكَ ٱلْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لّلْمُتَّقِينَ } [ البقرة : 1 ، 2 ] وقال في هذه السورة : { هُدًى وَرَحْمَةً لّلْمُحْسِنِينَ } [ لقمان : 3 ] وقال في السجدة : 23 { وَلقد ءاتَيْنَآ مُوسَى ٱلْكِتَـٰبَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لّبَنِى إِسْرٰءيلَ } فالكتاب هدى لقوم النبـي عليه السلام ، والنبـي هداه من الله تعالى من غير واسطة أو بواسطة الروح الأمين ، فقال تعالى : يجادل من يجادل لا بعلم آتيناه من لدنا كشفاً ، ولا بهدى أرسلناه إليه وحياً ، ولا بكتاب يتلى عليه وعظاً . ثم فيه لطيفة أخرى وهو أنه تعالى قال في الكتاب : { وَلاَ كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ } لأن المجادل منه من كان يجادل من كتاب ولكنه محرف مثل التوراة بعد التحريف ، فلو قال ولا كتاب لكان لقائل أن يقول لا يجادل من غير كتاب ، فإن بعض ما يقولون فهو في كتابهم ولأن المجوس والنصارى يقولون بالتثنية والتثليث عن كتابهم ، فقال : { وَلاَ كِتَـٰبٍ مُّنِيرٍ } فإن ذلك الكتاب مظلم ، ولما لم يحتمل في المرتبة الأولى والثانية التحريف والتبديل لم يقل بغير علم ولا هدى منير أو حق أو غير ذلك .