Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 32, Ayat: 18-20)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
لما بين حال المجرم والمؤمن قال للعاقل هل يستوي الفريقان ، ثم بين أنهما لا يستويان ، ثم بين عدم الاستواء على سبيل التفصيل ، فقال : { أَمَّا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ فَلَهُمْ جَنَّـٰتُ ٱلْمَأْوَىٰ } إشارة إلى ما ذكرنا أن الله أحسن ابتداء لا لعوض فلما آمن العبد وعمل صالحاً قبله منه كأنه ابتداء فجازاه بأن أعطاه الجنة ثم قال تعالى : { نُزُلاً } إشارة إلى أن بعدها أشياء لأن النزل ما يعطي الملك النازل ، وقت نزوله قبل أن يجعل له راتباً أو يكتب له خبزاً وقوله : { بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ } يحقق ما ذكرنا وقوله تعالى : { وَأَمَّا ٱلَّذِينَ فَسَقُواْ فَمَأْوَاهُمُ ٱلنَّارُ كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا } إشارة إلى حال الكافر ، وقد ذكرنا مراراً أن العمل الصالح له مع الإيمان أثر أما الكفر إذا جاء فلا التفات إلى الأعمال ، فلم يقل وأما الذين فسقوا وعملوا السيآت لأن المراد من فسقوا كفروا ولو جعل العقاب في مقابلة الكفر والعمل ، لظن أن مجرد الكفر لا عقاب عليه ، وقوله في حق المؤمنين لَهُمْ بلام التمليك زيادة إكرام لأن من قال لغيره اسكن هذه الدار يكون ذلك محمولاً على العارية وله استرداده ، وإذا قال هذه الدار لك يكون ذلك محمولا على نسبة الملكية إليه وليس له استرداده بحكم قوله وكذلك في قوله : { لَهُمْ جَنَّـٰتُ } [ البقرة : 25 ] ألا ترى أنه تعالى لما أسكن آدم الجنة وكان في علمه أنه يخرجه منها قال : { ٱسْكُنْ أَنتَ وَزَوْجُكَ ٱلْجَنَّةَ } [ البقرة : 35 ] ولم يقل لكما الجنة وفي الآخرة لما لم يكن للمؤمنين خروج عنها قال : { لَهُمْ ٱلْجَنَّةِ } [ التوبة : 111 ] و { لَهُمْ جَنَّـٰتُ } وقوله : { كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُواْ } إشارة إلى معنى حكمي ، وهو أن المؤلم إذا تمكن والألم إذا امتد لم يبق به شعور تام ولهذا قال الأطباء إن حرارة حمى الدق بالنسبة إلى حرارة الحمى البلغمية نسبة النار إلى الماء المسخن ، ثم إن المدقوق لا يحس من الحرارة بما يحس به من به الحمى البلغمية لتمكن الدق وقرب العهد بظهور حرارة الحمى البلغمية ، وكذلك الإنسان إذا وضع يده في ماء بارد يتألم من البرد ، فإذا صبر زماناً طويلاً تثلج يده ويبطل عنه ذلك الألم الشديد مع فساد مزاجه ، إذا علمت هذا فقوله : { كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا } إشارة إلى أن الإله لا يسكن عنهم بل يرد عليهم في كل حال أمر مؤلم يجدد وقوله : { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } يقرر ما ذكرنا ومعناه أنهم في الدنيا كانوا يكذبون بعذاب النار ، فلما ذاقوه كان أشد إيلاماً لأن من لا يتوقع شيئاً فيصيبه يكون أشد تأثيراً ، ثم إنهم في الآخرة كما في الدنيا يجزمون أن لا عذاب إلا وقد وصل إليهم ولا يتوقعون شيئاً آخر من العذاب فيرد عليهم عذاب أشد من الأول ، وكانوا يكذبون به بقولهم لا عذاب فوق ما نحن فيه فإذن معنى قوله تعالى : { ذُوقُواْ عَذَابَ ٱلنَّارِ ٱلَّذِي كُنتُمْ بِهِ تُكَذّبُونَ } ليس مقتصراً على تكذيبهم الذي كان في الدنيا بل { كُلَّمَا أَرَادُواْ أَن يَخْرُجُواُ مِنْهَا أُعِيدُواْ فِيهَا } وقيل لهم ذوقوا عذاباً كذبتم به من قبل ، أما في الدنيا بقولكم لا عذاب في الآخرة ، وأما في الآخرة فبقولكم لا عذاب فوق ما نحن فيه .