Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 34, Ayat: 8-8)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

هذا يحتمل وجهين أحدهما : أن يكون تمام قول الذين كفروا أولاً أعني هو من كلام من قال : { هَلْ نَدُلُّكُمْ } ويحتمل أن يكون من كلام السامع المجيب لمن قال : { هَلْ نَدُلُّكُمْ } كأن السامع لما سمع قول القائل : { هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلَىٰ رَجُلٍ } قال له : أهو يفتري على الله كذباً ؟ إن كان يعتقد خلافه ، أم به جنة [ أي ] جنون ؟ إن كان لا يعتقد خلافه وفي هذا لطيفة : وهي أن الكافر لا يرضى بأن يظهر كذبه ، ولهذا قسم ولم يجزم بأنه مفتر ، بل قال مفتر أو مجنون ، احترازاً من أن يقول قائل كيف يقول بأنه مفتر ، مع أنه جائز أن يظن أن الحق ذلك فظن الصدق يمنع تسمية القائل مفترياً وكاذباً في بعض المواضع ، ألا ترى أن من يقول جاء زيد ، فإذا تبين أنه لم يجىء وقيل له كذبت ، يقول ما كذبت ، وإنما سمعت من فلان أنه جاء ، فظننت أنه صادق فيدفع الكذب عن نفسه بالظن ، فهم احترزوا عن تبين كذبهم ، فكل عاقل ينبغي أن يحترز عن ظهور كذبه عند الناس ، ولا يكون العاقل أدنى درجة من الكافر ، ثم إنه تعالى أجابهم مرة أخرى وقال : { بَلِ ٱلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِٱلأَخِرَةِ فِى ٱلْعَذَابِ } في مقابلة قولهم : { ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ كَذِبًا } وقوله : { وَٱلضَّلَـٰلِ ٱلْبَعِيدِ } في مقابلة قولهم : { بِهِ جِنَّةٌ } وكلاهما مناسب . أما العذاب فلأن نسبة الكذب إلى الصادق مؤذية ، لأنه شهادة عليه بأنه يستحق العذاب فجعل العذاب عليهم حيث نسبوه إلى الكذب . وأما الجنون فلأن نسبة الجنون إلى العاقل دونه في الإيذاء ، لأنه لا يشهد عليه بأنه يعذب ، ولكن ينسبه إلى عدم الهداية فبين أنهم هم الضالون ، ثم وصف ضلالهم بالبعد ، لأن من يسمي المهتدي ضالاً يكون هو الضال ، فمن يسمي الهادي ضالاً يكون أضل ، والنبـي عليه الصلاة والسلام كان هادي كل مهتد .