Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 18-18)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
وقوله تعالى : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَىٰ حِمْلِهَا لاَ يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } متعلق بما قبله ، وذلك من حيث إنه تعالى لما بين الحق بالدلائل الظاهرة والبراهين الباهرة ذكر ما يدعوهم إلى النظر فيه فقال : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } أي لا تحمل نفس ذنب نفس فالنبـي صلى الله عليه وسلم لو كان كاذباً في دعائه لكان مذنباً وهو معتقد بأن ذنبه لا تحملونه أنتم فهو يتوقى ويحترز ، والله تعالى غير فقير إلى عبادتكم فتفكروا واعلموا أنكم إن ضللتم فلا يحمل أحد عنكم وزركم وليس كما يقول : أكابركم { ٱتَّبِعُواْ سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَـٰيَـٰكُمْ } [ العنكبوت : 12 ] وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : قوله : { وٰزِرَةٌ } أي نفس وازرة ولم يقل ولا تزر نفس وزر أخرى ولا جمع بين الموصوف والصفة فلم يقل ولا تزر نفس وازرة وزرة أخرى لفائدة أما الأول : فلأنه لو قال ولا تزر نفس وزر أخرى ، لما علم أن كل نفس وازرة مهمومة بهم وزرها متحيرة في أمرها ووجه آخر : وهو أن قول القائل ولا تزر نفس وزر أخرى ، قد يجتمع معها أن لا تزر وزراً أصلاً كالمعصوم لا يزر وزر غيره ومع ذلك لا يزر وزراً رأساً فقوله : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ } بين أنها تزر وزرها ولا تزر وزر الغير وأما ترك ذكر الموصوف فلظهور الصفة ولزومها للموصوف . ثم قال تعالى : { وَإِن تَدْعُ مُثْقَلَةٌ } إشارة إلى أن أحداً لا يحمل عن أحد شيئاً مبتدئاً ولا بعد السؤال ، فإن المحتاج قد يصبر وتقضى حاجته من غير سؤاله ، فإذا انتهى الافتقار إلى حد الكمال يحوجه إلى السؤال . المسألة الثانية : في قوله : { مُثْقَلَةٌ } زيادة بيان لما تقدم من حيث إنه قال أولاً : { وَلاَ تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } فيظن أن أحداً لا يحمل عن أحد لكون ذلك الواحد قادراً على حمله ، كما أن القوي إذا أخذ بيده رمانة أو سفرجلة لا تحمل عنه ، وأما إذا كان الحمل ثقيلاً قد يرحم الحامل فيحمل عنه فقال : { مُثْقَلَةٌ } يعني ليس عدم الوزر لعدم كونه محلاً للرحمة بالثقل بل لكون النفس مثقلة ولا يحمل منها شيء . المسألة الثالثة : زاد في ذلك بقوله : { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } أي المدعو لو كان ذا قربـى لا يحمله وفي الأول كان يمكن أن يقال لا يحمله لعدم تعلقه به كالعدو الذي يرى عدوه تحت ثقل ، أو الأجنبـي الذي يرى أجنبياً تحت حمل لا يحمل عنه فقال : { وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَىٰ } أي يحصل جميع المعاني الداعية إلى الحمل من كون النفس وازرة قوية تحتمل وكون الأخرى مثقلة لا يقال كونها قوية قادرة ليس عليها حمل وكونه سائلة داعية فإن السؤال مظنة الرحمة ، لو كان المسؤول قريباً فإذن لا يكون التخلف إلا لمانع وهو كون كل نفس تحت حمل ثقيل . ثم قال تعالى : { إِنَّمَا تُنذِرُ ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } إشارة إلى أن لا إرشاد فوق ما أتيت به ، ولم يفدهم ، فلا تنذر إنذاراً مفيداً إلا الذين تمتلىء قلوبهم خشية وتتحلى ظواهرهم بالعبادة كقوله : { ٱلَّذِينَ آمنواْ } إشارة إلى عمل القلب { وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَاتِ } إشارة إلى عمل الظواهر فقوله : { ٱلَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِٱلْغَيْبِ وَأَقَامُواْ ٱلصَّلَوٰةَ } في ذلك المعنى ، ثم لما بين { أَن لا تَزِرُ وٰزِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَىٰ } بين أن الحسنة تنفع المحسنين . فقال : { وَمَن تَزَكَّىٰ فَإِنَّمَا يَتَزَكَّىٰ لِنَفْسِهِ } أي فتزكيته لنفسه . ثم قال تعالى : { وَإِلَىٰ ٱللَّهِ ٱلْمَصِيرُ } أي المتزكي إن لم تظهر فائدته عاجلاً فالمصير إلى الله يظهر عنده في يوم اللقاء في دار البقاء ، والوازر إن لم تظهر تبعة وزره في الدنيا فهي تظهر في الآخرة إذ المصير إلى الله .