Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 35, Ayat: 1-1)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

{ ٱلْحَمْدُ للَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً } قد ذكرنا فيما تقدم أن الحمد يكون على النعمة في أكثر الأمر ، ونعم الله قسمان : عاجلة وآجلة ، والعاجلة وجود وبقاء ، والآجلة كذلك إيجاد مرة وإبقاء أخرى ، وقوله تعالى : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي خَلَقَ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضِ وَجَعَلَ ٱلظُّلُمَـٰتِ وَٱلنُّورَ } [ الأنعام : 1 ] إشارة إلى النعمة العاجلة التي هي الإيجاد ، واستدللنا عليه بقوله تعالى : { هُوَ ٱلَّذِي خَلَقَكُمْ مّن طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً } [ الأنعام : 2 ] وقوله في الكهف : { ٱلْحَمْدُ لِلَّهِ ٱلَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ ٱلْكِتَـٰبَ } [ الكهف : 1 ] إشارة إلى النعمة العاجلة التي هي الإبقاء ، فإن البقاء والصلاح بالشرع والكتاب ، ولولاه لوقعت المنازعة والمخاصمة بين الناس ولا يفصل بينهم ، فكان يفضي ذلك إلى التقاتل والتفاني ، فإنزال الكتاب نعمة يتعلق بها البقاء العاجل ، وفي قوله في سورة سبأ : { ٱلْحَمْدُ للَّهِ ٱلَّذِي لَهُ مَا فِي ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَمَا فِي ٱلأَرْضِ وَلَهُ ٱلْحَمْدُ فِى ٱلآخِرَةِ } [ سبأ : 1 ] إشارة إلى نعمة الإيجاد الثاني بالحشر ، واستدللنا عليه بقوله : { يَعْلَمُ مَا يَلْجُ فِى ٱلأَْرْضِ } من الأجسام { وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنزِلُ مِنَ ٱلسَّمَاء } من الأرواح { وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا } [ سبأ : 2 ] وقوله عن الكافرين : { وَقَالَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لاَ تَأْتِينَا ٱلسَّاعَةُ قُلْ بَلَىٰ وَرَبّي } [ سبأ : 3 ] وههنا الحمد إشارة إلى نعمة البقاء في الآخرة ، ويدل عليه قوله تعالى : { جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً } أي يجعلهم رسلاً يتلقون عباد الله ، كما قال تعالى : { وَتَتَلَقَّـٰهُمُ ٱلْمَلَـئِكَةُ } [ الأنبياء : 103 ] وعلى هذا فقوله تعالى { فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ } يحتمل وجهين الأول : معناه مبدعها كما نقل عن ابن عباس والثاني : { فَاطِرِ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ } أي شاقهما لنزول الأرواح من السماء وخروج الأجساد من الأرض ويدل عليه قوله تعالى : { جَاعِلِ ٱلْمَلَـٰئِكَةِ رُسُلاً } فإن في ذلك اليوم تكون الملائكة رسلاً ، وعلى هذا فأول هذه السورة متصل بآخر ما مضى ، لأن قوله كما فعل بأشياعهم بيان لانقطاع رجاء من كان في شك مريب وتيقنه بأن لا قبول لتوبته ولا فائدة لقوله آمنت . كما قال تعالى عنهم : { وَقَالُواْ ءَامَنَّا بِهِ وَأَنَّىٰ لَهُمُ ٱلتَّنَاوُشُ } [ سبأ : 52 ] فلما ذكر حالهم بين حال الموقن وبشره بإرساله الملائكة إليهم مبشرين ، وبين أنه يفتح لهم أبواب الرحمة . وقوله تعالى : { أُوْلِي أَجْنِحَةٍ مَّثْنَىٰ وَثُلَـٰثَ وَرُبَـٰعَ } أقل ما يكون لذي الجناح أن يكون له جناحان وما بعدهما زيادة ، وقال قوم فيه إن الجناح إشارة إلى الجهة ، وبيانه هو أن الله تعالى ليس فوقه شيء ، وكل شيء فهو تحت قدرته ونعمته ، والملائكة لهم وجه إلى الله يأخذون منه نعمه ويعطون من دونهم مما يأخذوه بإذن الله ، كما قال تعالى : { نَزَلَ بِهِ ٱلرُّوحُ ٱلأَمِينُ * عَلَىٰ قَلْبِكَ } [ الشعراء : 193 ، 194 ] وقوله : { عَلَّمَهُ شَدِيدُ ٱلْقُوَىٰ } [ النجم : 5 ] وقال تعالى في حقهم : { فَٱلْمُدَبّرٰتِ أَمْراً } [ النازعات : 5 ] فهما جناحان ، وفيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة ، وفيهم من يفعله لا بواسطة ، فالفاعل بواسطة فيه ثلاث جهات ، ومنهم من له أربع جهات وأكثر ، والظاهر ما ذكرناه أولاً وهو الذي عليه إطباق المفسرين . وقوله تعالى : { يَزِيدُ فِي ٱلْخَلْقِ مَا يَشَاء } من المفسرين من خصصه وقال المراد الوجه الحسن ، ومنهم من قال الصوت الحسن ، ومنهم من قال كل وصف محمود ، والأولى أن يعمم ، ويقال الله تعالى قادر كامل يفعل ما يشاء فيزيد ما يشاء وينقص ما يشاء . وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } يقرر قوله : { يَزِيدُ فِى ٱلْخَلْقِ مَا يَشَاءُ } .