Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 36, Ayat: 83-83)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما تقررت الوحدانية والإعادة وأنكروها وقالوا : بأن غير الله آلهة ، قال تعالى وتنزه عن الشريك : { ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شَيْءٍ } وكل شيء ملكه فكيف يكون المملوك للمالك شريكاً ، وقالوا : بأن الإعادة لا تكون ، فقال : { وإليه ترجعون } رداً عليهم في الأمرين ، وقد ذكرنا ما يتعلق بالنحو في قوله : سبحان ، أي سبحوا تسبيح الذي أو سبح من في السموات والأرض تسبيح الذي { فَسُبْحَـٰنَ } علم للتسبيح ، والتسبيح هو التنزيه ، والملكوت مبالغة في الملك كالرحموت والرهبوت ، وهو فعلول أو فعلوت فيه كلام ، ومن قال هو فعلول جعلوه ملحقاً به . ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " " إن لكل شيء قلباً وقلب القرآن يس " " وقال الغزالي فيه : إن ذلك لأن الإيمان صحته بالاعتراف بالحشر ، والحشر مقرر في هذه السورة بأبلغ وجه ، فجعله قلب القرآن لذلك ، واستحسنه فخر الدين الرازي رحمه الله تعالى سمعته يترحم عليه بسبب هذا الكلام . ويمكن أن يقال بأن هذه السورة ليس فيها إلا تقرير الأصول الثلاثة بأقوى البراهين فابتداؤها بيان الرسالة بقوله : { إِنَّكَ لَمِنَ ٱلْمُرْسَلِينَ } [ يس : 3 ] ودليلها ما قدمه عليها بقوله : { وَٱلْقُرْءَانِ ٱلْحَكِيمِ } [ يس : 2 ] وما أخره عنها بقوله : { لِتُنذِرَ قَوْماً } [ يس : 6 ] وانتهاؤها بيان الوحدانية والحشر بقوله : { فَسُبْحَـٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ } إشارة إلى التوحيد ، وقوله : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } إشارة إلى الحشر ، وليس في هذه السورة إلا هذه الأصول الثلاثة ودلائله وثوابه ، ومن حصل من القرآن هذا القدر فقد حصل نصيب قلبه وهو التصديق الذي بالجنان . وأما وظيفة اللسان التي هي القول ، فكما في قوله تعالى : { يأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً } [ الأحزاب : 70 ] وفي قوله تعالى : { وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً } [ فصلت : 33 ] وقوله تعالى : { بِٱلْقَوْلِ ٱلثَّابِتِ } [ إبراهيم : 27 ] { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ ٱلتَّقْوَىٰ } [ الفتح : 26 ] { وَإِلَيْهِ يَصْعَدُ ٱلْكَلِمُ ٱلطَّيّبُ } [ فاطر : 10 ] إلى غير هذه مما في غير هذه السورة ووظيفة الأركان وهو العمل ، كما في قوله تعالى : { وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة } [ البقرة : 110 ] وقوله تعالى : { وَلاَ تَقْرَبُواْ الزنا … وَلاَ تَقْتُلُواْ ٱلنَّفْسَ } [ الإسراء : 32 ، 33 ] وقوله : { وَٱعْمَلُواْ صَـٰلِحاً } [ المؤمنون : 51 ] وأيضاً مما في غير هذه السورة ، فلما لم يكن فيها إلا أعمال القلب لا غير سماها قلباً ، ولهذا ورد في الأخبار أن النبي صلى الله عليه وسلم ندب إلى تلقين يس لمن دنا منه الموت ، وقراءتها عند رأسه ، لأن في ذلك الوقت يكون اللسان ضعيف القوة ، والأعضاء الظاهرة ساقطة البنية ، لكن القلب يكون قد أقبل على الله ورجع عن كل ما سواه ، فيقرأ عند رأسه ما يزاد به قوة قلبه ، ويشتد تصديقه بالأصول الثلاثة وهي شفاء له وأشرار كلام الله تعالى وكلام رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يعلمها إلا الله ورسوله ، وما ذكرناه ظن لانقطع به ، ونرجو الله أن يرحمنا وهو أرحم الراحمين .