Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 171-182)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما هدد الكفار بقول تعالى : { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ } أي عاقبة كفرهم أردفه بما يقوي قلب الرسول صلى الله عليه وسلم فقال : { وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا ٱلْمُرْسَلِينَ * إِنَّهُمْ لَهُمُ ٱلْمَنصُورُونَ * وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ ٱلْغَـٰلِبُونَ } فبين أن وعده بنصرته قد تقدم والدليل عليه قوله تعالى : { كَتَبَ ٱللَّهُ لأَغْلِبَنَّ أَنَاْ وَرُسُلِى } [ المجادلة : 21 ] وأيضاً أن الخير مقضى بالذات والشر مقضى بالعرض ، وما بالذات أقوى مما بالعرض ، وأما النصرة والغلبة فقد تكون بقوة الحجة ، وقد تكون بالدولة والاستيلاء ، وقد تكون بالدوام والثبات فالمؤمن وإن صار مغلوباً في بعض الأوقات بسبب ضعف أحوال الدنيا فهو الغالب ، ولا يلزم على هذه الآية أن يقال : فقد قتل بعض الأنبياء وقد هزم كثير من المؤمنين ثم قال تعالى لرسوله وقذ أخبره بما تقدم { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ } والمراد تك مقاتلتهم والثقة بما وعدناهم إلى حين يتمتعون ، ثم تحل بهم الحسرة والندامة ، واختلف المفسرون فقيل المراد إلى يوم بدر ، وقيل إلى فتح مكة ، وقيل إلى يوم القيامة ، ثم قال : { وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } والمعنى بأبصرهم وما يقضي عليهم من القتل والأسر في الدنيا والعذاب في الآخرة ، فسوف يبصرونك مع ما قدر لك من النصرة والتأييد في الدنيا والثواب العظيم في الآخرة ، والمراد من الأمر المشاهد بأبصارهم على الحال المنتظرة الموعودة الدلالة على أنها كائنة واقعة لا محالة ، وأن كينونتها قريبة كأنها قدام ناظريك ، وقوله : { فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } للتهديد والوعيد ، ثم قال : { أَفَبِعَذَابِنَا يَسْتَعْجِلُونَ } والمعنى أن الرسول عليه السلام كان يهددهم بالعذاب ، وما رأوا شيئاً فكانوا يستعجلون نزول ذلك العذاب على سبيل الاستهزاء ، فبين تعالى أن ذلك الاستعجال جهل ، لأن لكل شيء من أفعال الله تعالى وقتاً معيناً لا يتقدم ولا يتأخر ، فكأن طلب حدوثه قبل مجيء ذلك الوقت جهلاً ، ثم قال تعالى : في صفة العذاب الذي يستعجلونه { فَإِذَا نَزَلَ بِسَاحَتِهِمْ } أي هذا العذاب { فَسَاء صَبَاحُ ٱلْمُنْذَرِينَ } وإنما وقع هذا التعبير عن هذه المعاني كأنهم كانوا يقدمون على العادة في وقت الصباح ، فجعل ذكر ذلك الوقت كناية عن ذلك العمل ، ثم أعاد تعالى قوله : { فَتَوَلَّ عَنْهُمْ حَتَّىٰ حِينٍ * وَأَبْصِرْ فَسَوْفَ يُبْصِرُونَ } فقيل المراد من هذه الكلمة فيما تقدم أحوال الدنيا ، وفي هذه الكلمة أحوال القيامة ، وعلى هذا التقدير فالتكرير زائل ، وقيل إن المراد من التكرير المبالغة في التهديد والتهويل ، ثم إنه تعالى ختم السورة بخاتمة شريفة جامعة لكل المطالب العالية ، وذلك لأن أهم المهمات للعاقل معرفة أحوال ثلاثة فأولها معرفة إله العالم بقدر الطاقة البشرية ، وأقصى ما يمكن عرفانه من صفات الله تعالى ثلاثة أنواع أحدهما : تنزيهه وتقديسه عن كل ما لا يليق بصفات الإلهية ، وهو لفظة سبحان وثانيها : وصفه بكل ما يليق بصفات الإلهية وهو قوله : { رَبّ ٱلْعِزَّةِ } فإن الربوبية إشارة إلى التربية وهي دالة على كمال الحكمة ، والرحمة والعزة إشارة إلى كمال القدرة وثالثها : كونه منزهاً في الإلهية عن الشريك والنظير ، وقوله : { رب العزة } يدل على أنه القادر على جميع الحوادث ، لأن الألف واللام في قوله : { العزة } تفيد الاستغراق ، وإذا كل الكل ملكاً له وملكاً له ولم يبق لغيره شيء ، فثبت أن قوله : { سُبْحَـٰنَ رَبّكَ رَبّ ٱلْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ } كلمة محتوية على أقصى الدرجات وأكمل النهايات في معرفة إله العالم والمهم الثاني : من مهمات العاقل أن يعرف أنه كيف ينبغي أن يعامل نفسه ويعامل الخلق في هذه الحياة الدنيوية . واعلم أن أكثر الخلق ناقصون ولا بد لهم من مكمل يكملهم ، ومرشد يرشدهم ، وهاد يهديهم ، وما ذلك إلا الأنبياء عليهم الصلاة والسلام ، وبديهة الفطرة شاهدة بأنه يجب على الناقص الاقتداء بالكامل ، فنبه على هذا الحرف يقوله : { وَسَلَـٰمٌ عَلَىٰ ٱلْمُرْسَلِينَ } لأن هذا اللفظ يدل على أنهم في الكمال اللائق بالبشر فاقوا غيرهم ، ولا جرم يجب على كل من سواهم الاقتداء بهم والمهم الثالث : من مهمات العاقل أن يعرف أنه كيف يكون حاله بعد الموت . واعلم أن معرفة هذه الحالة قبل الموت صعبة ، فالاعتماد فيها على حرف واحد ، وهو أنه إله العالم غني رحيم ، والغني الرحيم لا يعذب فنبه على هذا الحرف بقوله : { وَٱلْحَمْدُ للَّهِ رَبّ ٱلْعَـٰلَمِينَ } وذلك لأن استحقاق الحمد لا يحصل إلا بالإنعام العظيم ، فبين بهذا كونه منعماً ، وظاهر كونه غنياً عن العالمين ، ومن هذا وصفه كان الغالب منه هو الرحمة والفضل والكرم ، فكان هذا الحرف منبهاً على سلامة الحال بعد الموت ، فظهر بما ذكرنا أن هذه الخاتمة كالصدفة المحتوية على درر أشرف من دراري الكواكب ، ونسأل الله سبحانه وتعالى حسن الخاتمة والعافية في الدنيا والآخرة .