Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 37, Ayat: 75-82)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى لما قال من قبل : { وَلَقَدْ ضَلَّ قَبْلَهُمْ أَكْثَرُ ٱلأَوَّلِينَ } [ الصافات : 71 ] وقال : { فَٱنْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ ٱلْمُنْذَرِينَ } [ الصافات : 73 ] أتبعه بشرح وقائع الأنبياء عليهم السلام فالقصة الأولى : حكاية حال نوح عليه السلام وقوله : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } فيه مباحث : الأول : أن اللام في قوله : { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } جواب قسم محذوف والمخصوص بالمدح محذوف ، أي فلنعم المجيبون نحن . البحث الثاني : أنه تعالى ذكر أن نوحاً نادى ولم يذكر أن ذلك النداء في أي الوقائع كان ؟ لا جرم حصل فيه قولان الأول : وهو المشهور عند الجمهور أنه نادى الرب تعالى في أن ينجيه من محنة الغرق وكرب تلك الواقعة والقول الثاني : أن نوحاً عليه السلام لما اشتغل بدعوة قومه إلى الدين الحق بالغوا في إيذائه وقصدوا قتله ، ثم إنه عليه السلام نادى ربه واستنصره على كفار قومه ، فأجابه الله تعالى ومنعهم من قتله وإيذائه ، واحتج هذا القائل على ضعف القول الأول بأنه عليه السلام إنما دعا عليهم لأجل أن ينجيه الله تعالى وأهله ، وأجاب الله دعاءه فيه فكان حصول تلك النجاة كالمعلوم المتيقن في دعائه ، وذلك يمنع من أن يقال المطلوب من هذا النداء حصول هذه النجاة . ثم إنه تعالى لما حكى عن نوح أنه ناداه قال بعده : { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } وهذه اللفظة تدل على أن تلك الإجابة كانت من النعم العظيمة ، وبيانه من وجوه الأول : أنه تعالى عبر عن ذاته بصيغة الجمع فقال : { وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ } والقادر العظيم لا يليق به إلا الإحسان العظيم والثاني : أنه أعاد صيغة الجمع في قوله : { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } وذلك أيضاً يدل على تعظيم تلك النعمة . لا سيما وقد وصف تلك الإجابة بأنها نعمت الإجابة والثالث : أن الفاء في قوله : { فَلَنِعْمَ ٱلْمُجِيبُونَ } يدل على أن حصول هذه الإجابة مرتب على ذلك النداء ، والحكم المرتب على الوصف المناسب يقتضي كونه معللاً به ، وهذا يدل على أن النداء بالإخلاص سبب لحصول الإجابة ، ثم إنه تعالى لما بين أنه سبحانه نعم المجيب على سبيل الإجمال ، بين أن الإنعام حصل في تلك الإجابة من وجوه الأول : قوله تعالى : { وَنَجَّيْنَـٰهُ وَأَهْلَهُ مِنَ ٱلْكَرْبِ ٱلْعَظِيمِ } وهو على القول الأول الكرب الحاصل بسبب الخوف من الغرق ، وعلى الثاني الكرب الحاصل من أذى قومه والثاني : قوله : { وَجَعَلْنَا ذُرّيَّتَهُ هُمُ ٱلْبَـٰقِينَ } يفيد الحصر وذلك يدل على أن كل من سواه وسوى ذريته فقد فنوا ، قال ابن عباس : ذريته بنوه الثلاثة : سام وحام ويافث ، فسام أبو العرب وفارس والروم ، وحام أبو السودان ، ويافث أبو الترك . النعمة الثالثة : قوله تعالى : { وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلأَخِرِينَ * سَلَـٰمٌ عَلَىٰ نُوحٍ فِى ٱلْعَـٰلَمِينَ } يعني يذكرون هذه الكلمة ، فإن قيل فما معنى قوله : { فِى ٱلْعَـٰلَمِينَ } قلنا معناه الدعاء بثبوت هذه التحية فيهم جميعاً أي لا يخلو أحد منهم منها ، كأنه قيل أثبت الله التسليم على نوح وأدامه في الملائكة والثقلين فيسلمون عليه بكليتهم ، ثم إنه تعالى لما شرح تفاصيل إنعامه عليه قال : { إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى ٱلْمُحْسِنِينَ } والمعنى أنا إنما خصصنا نوحاً عليه السلام بتلك التشريفات الرفيعة من جعل الدنيا مملوأة من ذريته ومن تبقية ذكره الحسن في ألسنة جميع العالمين لأجل أنه كان محسناً ، ثم علل كونه محسناً بأنه كان عبداً لله مؤمناً ، والمقصود منه بيان أن أعظم الدرجات وأشرف المقامات الإيمان بالله والانقياد لطاعته .