Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 38, Ayat: 1-3)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسائل : المسألة الأولى : الكلام المستقصى في أمثال هذه الفواتح مذكور في أول سورة البقرة ولا بأس بإعادة بعض الوجوه فالأول : أنه مفتاح أسماء الله تعالى التي أولها صاد ، كقولنا صادق الوعد ، صانع المصنوعات ، صمد والثاني : معناه صدق محمد في كل ما أخبر به عن الله الثالث : معناه صد الكفار عن قبول هذا الدين ، كما قال تعالى : { ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَصَدُّواْ عَن سَبِيلِ ٱللَّهِ } [ النحل : 88 ] الرابع : معناه أن القرآن مركب من هذه الحروف وأنتم قادرون عليها ولستم قادرين على معارضة القرآن ، فدل ذلك على أن القرآن معجز الخامس : أن يكون صاد بكسر الدال من المصادة وهي المعارضة ومنها الصدى وهو ما يعارض صوتك في الأماكن الخالية من الأجسام الصلبة ، ومعناه عارض القرآن بعملك فاعمل بأوامره وانته عن نواهيه السادس : أنه اسم السورة والتقدير هذه صاد ، فإن قيل ههنا إشكالان أحدهما : أن قوله : { وَٱلْقُرْءانِ ذِى ٱلذّكْرِ } قسم وأين المقسم عليه ؟ والثاني : أن كلمة بل تقتضي رفع حكم ثبت قبلها ، وإثبات حكم بعدها يناقض الحكم السابق ، فأين هذا المعنى ههنا ؟ والجواب : عن الأول من وجوه الأول : أن يكون معنى صاد ، بمعنى صدق محمد صلى الله عليه وسلم ، فيكون صاد هو المقسم عليه ، وقوله : { وَٱلْقُرْءانِ ذِى الذكر } هو القسم الثاني : أن يكون المقسم عليه محذوفاً ، والتقدير سورة ص والقرآن ذي الذكر أنه لكلام معجز ، لأنا بينا أن قوله { ص } تنبيه على التحدي والثالث : أن يكون صاد اسماً للسورة ، ويكون التقدير هذه ص والقرآن ذي الذكر ، ولما كان المشهور ، أن محمداً عليه السلام يدعي في هذه السورة كونها معجزة ، كان قوله هذه ص جارياً مجرى قوله : هذه هي السورة المعجزة ، ونظيره قولك هذا حاتم والله ، أي هذا هو المشهور بالسخاء والجواب : عن السؤال الثاني أن الحكم المذكور قبل كلمة { بَلِ } أما ما ذكره المفسر كون محمد صادقاً في تبليغ الرسالة أو كون القرآن أو هذه السورة معجزة والحكم المذكور بعد كلمة { بَلِ } ههنا هو المنازعة والمشاقة في كونه كذلك فحصل المطلوب ، والله أعلم . المسألة الثانية : قرأ الحسن صاد بكسر الدال لأجل التقاء الساكنين ، وقرأ عيسى بن عمر بنصب صاد ونون وبحذف حرف القسم وإيصال فعله كقولهم الله لأفعلن ، وأكثر القراء على الجزم لأن الأسماء العارية عن العوامل تذكر موقوفة الأواخر . المسألة الثالثة : في قوله ذي الذكر وجهان الأول : المراد ذي الشرف ، قال تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] وقال تعالى : { لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَـٰباً فِيهِ ذِكْرُكُمْ } [ الأنبياء : 10 ] ومجاز هذا من قولهم لفلان ذكر في الناس ، كما يقولون له صيت الثاني : ذي البيانين أي فيه قصص الأولين ، والآخرين ، وفيه بيان العلوم الأصلية والفرعية ومجازه من قوله : { وَلَقَدْ يَسَّرْنَا ٱلْقُرْءانَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مُّدَّكِرٍ } [ القمر : 22 ] . المسألة الرابعة : قالت المعتزلة القرآن ذي الذكر والذكر محدث بيان الأول : قوله تعالى : { وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ } [ الزخرف : 44 ] { وَهَـٰذَا ذِكْرٌ مُّبَارَكٌ } [ الأنبياء : 50 ] { وَٱلْقُرْءانِ ذِى الذكر } [ ص : 1 ] { إن هو إلا ذكر وقرآن مبين } [ يس : 69 ] وبيان الثاني : قوله : { مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن رَّبّهِمْ مُّحْدَثٍ } [ الأنبياء : 2 ] وقوله { مَا يَأْتِيهِمْ مّن ذِكْرٍ مّن ٱلرَّحْمَـٰنِ مُحْدَثٍ } والجواب : أنا نصرف دليلكم إلى الحروف والأصوات وهي محدثه . أما قوله : { بَلِ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } فالمراد منه الكفار من رؤساء قريش الذين يجوز على مثلهم الإجماع على الحسد والكبر على الإنقياد إلى الحق ، والعزة ههنا التعظيم وما يعقتده الإنسان في نفسه من الأحوال التي تمنعه من متابعة الغير لقوله تعالى : { وَإِذَا قِيلَ لَهُ ٱتَّقِ ٱللَّهَ أَخَذَتْهُ ٱلْعِزَّةُ بِٱلإثْمِ } [ البقرة : 206 ] والشقاق هو إظهار المخالفة على جهة المساواة للمخالف أو على جهة الفضلية عليه ، وهو مأخوذ من الشق كأنه يرتفع عن أن يلزمه الانقياد له بل يجعل نفسه في شق وخصمه في شق ، فيريد أن يكون في شقة نفسه ولا يجري عليه حكم خصمه ، ومثله المعاداة وهو أن يكون أحدهما في عدوة والآخر في عدوة ، وهي جانب الوادي ، وكذلك المحادة أن يكون هذا في حد غير حد الآخر ، ويقال انحرف فلان عن فلان وجانب فلان فلاناً أي صار منه على حرف وفي جانب غير جانبه ، والله أعلم ، ثم إنه تعالى لما وصفهم بالعزة والشقاق خوفهم فقال : { كَم أَهْلَكْنَا قَبْلِهِم مّن قَرْنٍ فَنَادَواْ } والمعنى أنهم نادوا عند نزول العذاب في الدنيا ولم يذكر بأي شيء نادوا ، وفيه وجوه الأول : وهو الأظهر أنهم نادوا بالاستغاثة لأن نداء من نزل به العذاب ليس إلا بالاستغاثة الثاني : نادوا بالإيمان والتوبة عند معاينة العذاب الثالث : نادوا أي رفعوا أصواتهم ، يقال فلان أندى صوتاً من فلان أي ارفع صوتاً ، ثم قال : { وَّلاَتَ حِينَ مَنَاصٍ } يعني ولم يكن ذلك الوقت وقت فرار من العذاب وهو كقوله : { فَلَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا قالوا آمنا } [ غافر : 84 ] وقال : { حَتَّىٰ إِذَا أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِمْ بِٱلْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْـئَرُونَ } [ المؤمنون : 64 ] والجؤار رفع الصوت بالتضرع والاستغاثة وكقوله : { ءالئَنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ } [ يونس : 91 ] وقوله : { فَلَمْ يَكُ يَنفَعُهُمْ إِيمَـٰنُهُمْ لَمَّا رَأَوْاْ بَأْسَنَا } [ غافر : 85 ] بقي ههنا أبحاث : البحث الأول : في تحقيق الكلام في لفظ { لات } زعم الخليل وسيبويه أن لات هي لا المشبهة بليس زيدت عليها تاء التأنيث كما زيدت على رب وثم للتأكيد ، وبسب هذه الزيادة حدثت لها أحكام جديدة ، منها أنها لا تدخل إلا على الأحيان ، ومنها أن لا يبرز إلا أحد جزءيها ، إما الاسم وإما الخبر ويمتنع بروزهما جميعاً ، وقال الأخفش إنها لا النافية للجنس زيدت عليها التاء ، وخصت بنفي الأحيان { وَحِينَ مَنَاصٍ } منصوب بها كأنك قلت ولات حين مناص لهم ويرتفع بالابتداء أي ولات حين مناص كائن لهم . البحث الثاني : الجمهور يقفون على التاء من قوله : { وَّلاَتَ } والكسائي يقف عليها بالهاء كما يفق على الأسماء المؤنثة ، قال صاحب « الكشاف » : وأما قول أبي يعبيدة التاء داخلة على الحين فلا وجه له ، واستشهاده بأن التاء ملتزقة بحين في مصحف عثمان فضعيف فكم وقعت في المصحف أشياء خارجة عن قياس الخط . البحث الثالث : المناص المنجا والغوث ، يقال ناصه إذا أغاثه ، واستناص طلب المناص ، والله أعلم .