Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 38, Ayat: 86-88)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن الله تعالى ختم هذه السورة بهذه الخاتمة الشريفة ، وذلك لأنه تعالى ذكر طرقاً كثيرة دالة على وجوب الاحتياط في طلب الدين ، ثم قال عند الختم : هذا الذي أدعو الناس إليه يجب أن ينظر في حال الداعي ، وفي حال الدعوة ليظهر أنه حق أو باطل . أما الداعي وهو أنا . فأنا لا أسألكم على هذه الدعوة أجراً ومالاً ، ومن الظاهر أن الكذاب لا ينقطع طمعه عن طلب المال ألبتة ، وكان من الظاهر أنه صلى الله عليه وسلم كان بعيداً عن الدنيا عديم الرغبة فيها ، وأما كيفية الدعوة فقال : وما أنا من المتكلفين ، والمفسرون ذكروا فيه وجوهاً ، والذي يغلب على الظن أن المراد أن هذا الذي أدعوكم إليه دين ليس يحتاج في معرفة صحته إلى التكلفات الكثيرة ، بل هو دين يشهد صريح العقل بصحته ، فإني أدعوكم إلى الإقرار بوجود الله أولاً : ثم أدعوكم ثانياً : إلى تنزيهه وتقديسه عن كل ما لا يليق به ، يقوي ذلك قوله : { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَىْء } وأمثاله ، ثم أدعوكم ثالثاً : إلى الإقرار بكونه موصوفاً بكمال العلم والقدرة والحكمة والرحمة ، ثم أدعوكم رابعاً : إلى الإقرار بكونه منزهاً عن الشركاء والأضداد ، ثم أدعوكم خامساً : إلى الإمتناع عن عبادة هذه الأوثان ، التي هي جمادات خسيسة ولا منفعة في عبادتها ولا مضرة في الإعراض عنها ، ثم أدعوكم سابعاً : إلى الإقرار بالبعث والقيامة : { لِيَجْزِىَ ٱلَّذِينَ أَسَاءواْ بِمَا عَمِلُواْ وَيِجْزِى ٱلَّذِينَ أَحْسَنُواْ بِٱلْحُسْنَى } [ النجم : 31 ] ثم أدعوكم ثامناً : إلى الإعراض عن الدنيا والإقبال على الآخرة ، فهذه الأصول الثمانية ، هي الأصول القوية المعتبرة في دين الله تعالى ، ودين محمد صلى الله عليه وسلم وبدائه العقول ، وأوائل الأفكار شاهدة بصحة هذه الأصول الثمانية ، فثبت أني لست من المتكلفين في الشريعة التي أدعو الخلق إليها . بل كل عقل سليم وطبع مستقيم ، فإنه يشهد بصحتها وجلالتها ، وبعدها عن الباطل والفساد وهو المراد من قوله : { إِنْ هُوَ إِلاَّ ذِكْرٌ لِّلْعَـٰلَمِينَ } ولما بين هذه المقدمات قال : { وَلَتَعْلَمُنَّ نَبَأَهُ بَعْدَ حِينِ } والمعنى أنكم إن أصررتم على الجهل والتقليد ، وأبيتم قبول هذه البيانات التي ذكرناها ، فستعلمون بعد حين أنكم كنتم مصيبين في هذا الإعراض أو مخطئين ، وذكر مثل هذه الكلمة بعد تلك البيانات المتقدمة مما لا مزيد عليه في التخويف والترهيب ، والله أعلم . قال المصنف رحمة الله عليه : تم تفسير هذه السورة يوم الخميس في آخر الثلاثاء الثاني من شهر ذي القعدة سنة ثلاث وستمائة ، والحمد لله على آلائه ونعمائه . والصلاة على المطهرين من عباده في أرضه وسمائه ، والمدح والثناء كما يليق بصفاته وأسمائه ، والتعظيم التام لأنبيائه وأوليائه ، وسلم تسليماً كثيراً إلى يوم الدين .