Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 13-14)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : أنه تعالى بعد بيان سهام المواريث ذكر الوعد والوعيد ترغيبا في الطاعة وترهيبا عن المعصية فقال : { تِلْكَ حُدُودُ ٱللَّهِ } وفيه بحثان . البحث الأول : ان قوله : { تِلْكَ } إشارة إلى ماذا ؟ فيه قولان : الأول : أنه إشارة إلى أحوال المواريث . القول الثاني : أنه إشارة الى كل ما ذكره من أول السورة الى ههنا من بيان أموال الأيتام وأحكام الأنكحة وأحوال المواريث وهو قول الأصم ، حجة القول الأول أن الضمير يعود الى أقرب المذكورات ، وحجة القول الثاني أن عوده الى الأقرب اذا لم يمنع من عوده الى الأبعد مانع يوجب عوده الى الكل . البحث الثاني : أن المراد بحدود الله المقدرات التي ذكرها وبينها ، وحد الشيء طرفه الذي يمتاز به عن غيره ، ومنه حدود الدار ، والقول الدال على حقيقة الشيء يسمى حداً له ، لأن ذلك القول يمنع غيره من الدخول فيه ، وغيره هو كل ما سواه . المسألة الثانية : قال بعضهم : قوله : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } وقوله : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } مختص بمن أطاع أو عصى في هذه التكاليف المذكورة في هذه السورة ، وقال المحققون : بل هو عام يدخل فيه هذا وغيره ، وذلك لأن اللفظ عام فوجب أن يتناول الكل . أقصى ما في الباب ان هذا العام إنما ذكر عقيب تكاليف خاصة ، إلا أن هذا القدر لا يقتضي تخصيص العموم ، ألا ترى أن الوالد قد يقبل على ولده ويوبخه في أمر مخصوص ، ثم يقول : احذر مخالفتي ومعصيتي ويكون مقصوده منعه من معصيته في جميع الأمور ، فكذا ههنا والله أعلم . المسألة الثالثة : قرأ نافع وابن عامر : ندخله جنات ندخله نارابالنون في الحرفين ، والباقون بالياء . أما الأول : فعلى طريقة الالتفات كما في قوله : { بَلِ ٱللَّهُ مَوْلَـٰكُمْ } [ آل عمران : 150 ] ثم قال : { سَنُلْقِى } [ آل عمران : 151 ] بالنون . وأما الثاني : فوجهه ظاهر . المسألة الرابعة : ههنا سؤال وهو أن قوله : { يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ } إنما يليق بالواحد ثم قوله بعد ذلك { خَـٰلِدِينَ فِيهَا } إنما يليق بالجمع فكيف التوفيق بينهما ؟ الجواب : أن كلمة من في قوله : { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ } مفرد في اللفظ جمع في المعنى فلهذا صح الوجهان . المسألة الخامسة : انتصب « خالدين » « وخالدا » على الحال من الهاء في « ندخله » والتقدير : ندخله خالدا في النار . المسألة السادسة : قالت المعتزلة : هذه الآية تدل على أن فساق أهل الصلاة يبقون مخلدين في النار . وذلك لأن قوله : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } إما أن يكون مخصوصا بمن تعدى في الحدود التي سبق ذكرها وهي حدود المواريث ، أو يدخل فيها ذلك وغيره ، وعلى التقديرين يلزم دخول من تعدى في المواريث في هذا الوعيد ، وذلك عام فيمن تعدى وهو من أهل الصلاة أو ليس من أهل الصلاة ، فدلت هذه الآية على القطع بالوعيد ، وعلى ان الوعيد مخلد ، ولا يقال : هذا الوعيد مختص بمن تعدى حدود الله ، وذلك لا يتحقق إلا في حق الكافر . فانه هو الذي تعدى جميع حدود الله ، فانا نقول : هذا مدفوع من وجهين : الأول : انا لو حملنا هذه الآية على تعدي جميع حدود الله خرجت الآية عن الفائدة لأن الله تعالى نهى عن اليهودية والنصرانية والمجوسية ، فتعدي جميع حدوده هو أن يترك جميع هذه النواهي ، وتركها إنما يكون بأن يأتي اليهودية والمجوسية والنصرانية معا وذلك محال ، فثبت أن تعدى جميع حدود الله محال فلو كان المراد من الآية ذلك لخرجت الآية عن كونها مفيدة ، فعلمنا ان المراد منه أي حد كان من حدود الله . الثاني : هو أن هذه الآية مذكورة عقيب آيات قسمة المواريث ، فيكون المراد من قوله : { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } تعدى حدود الله في الأمور المذكورة في هذه الآيات . وعلى هذا التقدير يسقط هذا السؤال . هذا منتهى تقرير المعتزلة وقد ذكرنا هذه المسألة على سبيل الاستقصاء في سورة البقرة . ولا بأس بأن نعيد طرفا منها في هذا الموضع فنقول : أجمعنا على أن هذا الوعيد مختص بعدم التوبة لأن الدليل دل على انه إذا حصلت التوبة لم يبق هذا الوعيد ، فكذا يجوز أن يكون مشروطا بعدم العفو ، فان بتقدير قيام الدلالة على حصول العفو امتنع بقاء هذا الوعيد عند حصول العفو ، ونحن قد ذكرنا الدلائل الكثيرة على حصول العفو ، ثم نقول : هذا العموم مخصوص بالكافر ، ويدل عليه وجهان : الأول : انا إذا قلنا لكم : ما الدليل على أن كلمة من في معرض الشرط تفيد العموم ؟ قلتم : الدليل عليه أنه يصح الاستثناء منه ، والاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل فيه ، فنقول : ان صح هذا الدليل فهو يدل على أن قوله : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } مختص بالكافر : لأن جميع المعاصي يصح استثناؤها من هذا اللفظ فيقال : ومن يعص الله ورسوله إلا في الكفر ، والا في الفسق ، وحكم الاستثناء إخراج ما لولاه لدخل ، فهذا يقتضي أن قوله : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ } في جميع أنواع المعاصي والقبائح وذلك لا يتحقق إلا في حق الكافر ، وقوله : الاتيان بجميع المعاصي محال لأن الاتيان باليهودية والنصرانية معا محال ، فنقول : ظاهر اللفظ يقتضي العموم إلا إذا قام مخصص عقلي أو شرعي ، وعلى هذا التقدير يسقط سؤالهم ويقوي ما ذكرناه . الوجه الثاني : في بيان أن هذه الآية مختصة بالكافر : أن قوله : { وَمَن يَعْصِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يفيد كونه فاعلا للمعصية والذنب ، وقوله : { وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ } لو كان المراد منه عين ذلك للزم التكرار ، وهو خلاف الأصل ، فوجب حمله على الكفر ، وقوله : بأنا نحمل هذه الآية على تعدي الحدود المذكورة في المواريث . قلنا : هب أنه كذلك إلا أنه يسقط ما ذكرناه من السؤال بهذا الكلام ، لأن التعدي في حدود المواريث تارة يكون بأن يعتقد أن تلك التكاليف والأحكام حق وواجبة القبول إلا أنه يتركها ، وتارة يكون بأن يعتقد أنها واقعة لا على وجه الحكمة والصواب ، فيكون هذا هو الغاية في تعدي الحدود ، وأما الأول فلا يكاد يطلق في حقه أنه تعدى حدود الله ، وإلا لزم وقوع التكرار كما ذكرناه ، فعلمنا أن هذا الوعيد مختص بالكافر الذي لا يرضى بما ذكره الله في هذه الآية من قسمة المواريث ، فهذا ما يختص بهذه الآية من المباحث ، وأما بقية الأسئلة فقد تقدم ذكرها في سورة البقرة ، والله أعلم .