Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 162-162)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن المراد من ذلك عبدالله بن سلام وأصحابه الراسخون في العلم الثابتون فيه ، وهم في الحقيقة المستدلون بأن المقلد يكون بحيث إذا شكك يشك ، وأما المستدل فإنه لا يتشكك ألبتة ، فالراسخون هم المستدلون والمؤمنون ، يعني المؤمنين منهم أو المؤمنين من المهاجرين والأنصار وارتفع الراسخون على الابتداء و { يُؤْمِنُونَ } خبره ، وأما قوله { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } ففيه أقوال : الأول : روي عن عثمان وعائشة أنهما قالا : إن في المصحف لحناً وستقيمه العرب بألسنتها . واعلم أن هذا بعيد لأن هذا المصحف منقول بالنقل المتواتر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فكيف يمكن ثبوت اللحن فيه ، الثاني : وهو قول البصريين : أنه نصب على المدح لبيان فضل الصلاة ، قالوا إذا قلت : مررت بزيد الكريم فلك أن تجر الكريم لكونه صفة لزيد ، ولك أن تنصبه على تقدير أعني ، وإن شئت رفعت على تقدير هو الكريم ، وعلى هذا يقال : جاءني قومك المطعمين في المحل والمغيثون في الشدائد ، والتقدير جاءني قومك أعني المطعمين في المحل وهم المغيثون في الشدائد فكذا ههنا تقدير الآية : أعني المقيمين الصلاة وهم المؤتون الزكاة ، طعن الكسائي في هذا القول وقال : النصب على المدح إنما يكون بعد تمام الكلام ، وههنا لم يتم الكلام ، لأن قوله { لَّـٰكِنِ ٱلرَّاسِخُونَ فِى ٱلْعِلْمِ } منتظر للخبر ، والخبر هو قوله { أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } . والجواب : لا نسلم أن الكلام لا يتم إلا عند قوله { أُوْلَـٰئِكَ } لأنا بينا أن الخبر هو قوله { يُؤْمِنُونَ } وأيضاً لم لا يجوز الاعتراض بالمدح بين الاسم والخبر وما الدليل على امتناعه ؟ فهذا القول هو المعتمد في هذه الآية . والقول الثالث : وهو اختيار الكسائي ، وهو أن المقيمين خفض بالعطف على ما في قوله { بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } والمعنى : والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك وبالمقيمين الصلاة ، ثم عطف على قوله { وَٱلْمُؤْمِنُونَ } قوله { وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } والمراد بالمقيمين الصلاة الأنبياء ، وذلك لأنه لم يخل شرع أحد منهم من الصلاة . قال تعالى في سورة الأنبياء عليهم الصلاة والسلام بعد أن ذكر أعداداً منهم { وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فعل الخيرات وإقام الصلاة } [ الأنبياء : 73 ] وقيل : المراد بالمقيمين الصلاة الملائكة الذين وصفهم الله بأنهم الصافون وهم المسبحون وأنهم يسبِّحون الليل والنهار لا يفترون ، فقوله { يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } يعني يؤمنون بالكتب ، وقوله { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ } يعني يؤمنون بالرسل . الرابع : جاء في مصحف عبدالله بن مسعود { والمقيمون ٱلصَّلَوٰة } بالواو ، وهي قراءة مالك بن دينار والجحدري وعيسى الثقفي . المسألة الثانية : اعلم أن العلماء على ثلاثة أقسام : الأول : العلماء بأحكام الله تعالى فقط . والثاني : العلماء بذات الله وصفات الله فقط . والثالث : العلماء بأحكام الله وبذات الله ، أما الفريق الأول فهم العالمون بأحكام الله وتكاليفه وشرائعه ، وأما الثاني : فهم العالمون بذات الله وبصفاته الواجبة والجائزة والممتنعة ، وأما الثالث : فهم الموصوفون بالعاملين وهم أكابر العلماء ، وإلى هذه الأقسام الثلاثة أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله : " " جالس العلماء وخالط الحكماء ورافق الكبراء " . " وإذا عرفت هذا فنقول : إنه تعالى وصفهم بكونهم راسخين في العلم ، ثم شرح ذلك فبيّن أولاً : كونهم عالمين بأحكام الله تعالى وعاملين بتلك الأحكام ، فأما علمهم بأحكام الله فهو المراد من قوله { وَٱلْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنزِلَ إِلَيكَ وَمَا أُنزِلَ مِن قَبْلِكَ } وأما عملهم بتلك الأحكام فهو المراد بقوله { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلَوٰةَ وَٱلْمُؤْتُونَ ٱلزَّكَوٰةَ } وخصهما بالذكر لكونهما أشرف الطاعات لأن الصلاة أشرف الطاعات البدينة ، والزكاة أشرف الطاعات المالية ، ولما شرح كونهم عالمين بأحكام الله وعاملين بها شرح بعد ذلك كونهم عالمين بالله ، وأشرف المعارف العلم بالمبدأ والمعاد ، فالعلم بالمبدأ هو المراد بقوله { وَٱلْمُؤْمِنُونَ بِٱللَّهِ } والعلم بالمعاد هو المراد من قوله { وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } ولما شرح هذه الأقسام ظهر كون هؤلاء المذكورين عالمين بأحكام الله تعالى وعاملين بها وظهر كونهم عالمين بالله وبأحوال المعاد ، وإذا حصلت هذه العلوم والمعارف ظهر كونهم راسخين في العلم لأن الإنسان لا يمكنه أن يتجاوز هذا المقام في الكمال وعلو الدرجة ، ثم أخبر عنهم بقوله { أُوْلَـٰئِكَ سَنُؤْتِيهِمْ أَجْراً عَظِيماً } .