Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 167-169)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
أعلم أن هذا من صفات اليهود الذين تقدم ذكرهم ، والمراد أنهم كفروا بمحمد وبالقرآن وصدوا غيرهم عن سبيل الله ، وذلك بإلقاء الشبهات في قلوبهم نحو قولهم : لو كان رسولاً لأتى بكتابه دفعة واحدة من السماء كما نزلت التوراة على موسى ، وقولهم : إن الله تعالى ذكر في التوراة أن شريعة موسى لا تبدل ولا تنسخ إلى يوم القيامة ، وقولهم : إن الأنبياء لا يكونون إلا من ولد هارون وداود ، وقوله { قَدْ ضَلُّواْ ضَلَـٰلاَ بَعِيداً } وذلك لأن أشد الناس ضلالاً من كان ضالاً ويعتقد في نفسه أنه محق ، ثم إنه يتوسل بذلك الضلال إلى اكتساب المال والجاه ، ثم إنه يبذل كنه جهده في إلقاء غيره في مثل ذلك الضلال ، فهذا الإنسان لا شك أنه قد بلغ في الضلال إلى أقصى الغايات وأعظم النهايات ، فلهذا قال تعالى في حقهم { قَدْ ضَلُّواْ ضَلَـٰلاَ بَعِيداً } ولما وصف تعالى كيفية ضلالهم ذكر بعده وعيدهم فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَظَلَمُواْ } محمداً بكتمان ذكر بعثته وظلموا عوامهم بإلقاء الشبهات في قلوبهم { لَّمْ يَكُنْ ٱللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ } . واعلم أنا إن حملنا قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ } على المعهود السابق لم يحتج إلى إضمار شرط في هذا الوعيد ، لأنا نحمل الوعيد في الآية على أقوام علم الله منهم أنهم يموتون على الكفر ، وإن حملناه على الاستغراق أضمرنا فيه شرط عدم التوبة ، ثم قال { وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً * إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ } . ثم قال تعالى : { خَـٰلِدِينَ فِيهَا أَبَداً } والمعنى أنه تعالى لا يهديهم يوم القيامة إلى الجنة بل يهديهم إلى طريق جهنم { وَكَانَ ذٰلِكَ عَلَى ٱللَّهِ يَسِيراً } انتصب خالدين على الحال ، والعامل فيه معنى لا ليهديهم لأنه بمنزلة نعاقبهم خالدين ، وانتصب { أَبَدًا } على الظرف ، وكان ذلك على الله يسيراً ، والمعنى لا يتعذر عليه شيء فكان إيصال الألم إليهم شيئاً بعد شيء إلى غير النهاية يسيراً عليه وإن كان متعذراً على غيره .