Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 16-16)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
في الآية مسائل : المسألة الأولى : قرأ ابن كثير { وَٱللَّذَانَ } و { هـٰذان } [ الحج : 19 ] مشددة النون ، والباقون بالتخفيف ، وأما أبو عمرو فانه وافق ابن كثير في قوله : { فَذَانِكَ } [ القصص : 32 ] أما وجه التشديد قال ابن مقسم : إنما شدد ابن كثير هذه النونات لأمرين : أحدهما : الفرق بين تثنية الأسماء المتمكنة وغير المتمكنة ، والآخر : أن « الذي وهذا » مبنيان على حرف واحد وهو الذال ، فأرادوا تقوية كل واحد منهما بأن زادوا على نونها نونا أخرى من جنسها ، وقال غيره : سبب التشديد فيها ان النون فيها ليست نون التثنية ، فأراد أن يفرق بينها وبين نون التثنية ، وقيل زادوا النون تأكيدا ، كما زادوا اللام ، وأما تخصيص أبي عمرو التعويض في المبهمة دون الموصولة ، فيشبه أن يكون ذلك لما رأى من أن الحذف للمبهمة ألزم ، فكان استحقاقها العوض أشد . المسألة الثانية : الذين قالوا : ان الآية الأولى في الزناة قالوا : هذه الآية أيضا في الزناة فعند هذا اختلفوا في أنه ما السبب في هذا التكرير وما الفائدة فيه ؟ وذكروا فيه وجوها : الأول : أن المراد من قوله : { وَٱللَـٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَـٰحِشَةَ مِن نّسَائِكُمْ } [ النساء : 15 ] المراد منه الزواني ، والمراد من قوله : { وَٱللَّذَانَ يَأْتِيَـٰنِهَا مِنكُمْ } الزناة ، ثم انه تعالى خص الحبس في البيت بالمرأة وخص الايذاء بالرجل ، والسبب فيه أن المرأة إنما تقع في الزنا عند الخروج والبروز ، فاذا حبست في البيت انقطعت مادة هذه المعصية ، وأما الرجل فانه لا يمكن حبسه في البيت ، لأنه يحتاج إلى الخروج في إصلاح معاشه وترتيب مهماته واكتساب قوت عياله ، فلا جرم جعلت عقوبة المرأة الزانية الحبس في البيت ، وجعلت عقوبة الرجل الزاني أن يؤذى ، فاذا تاب ترك إيذاؤه ، ويحتمل أيضاً أن يقال إن الايذاء كان مشتركا بين الرجل والمرأة ، والحبس كان من خواص المرأة ، فاذا تابا أزيل الايذاء عنهما وبقي الحبس على المرأة ، وهذا أحسن الوجوه المذكورة . الثاني : قال السدي : المراد بهذه الآية البكر من الرجل والنساء ، وبالآية الأولى الثيب ، وحينئذ يظهر التفاوت بين الآيتين . قالوا : ويدل على هذا التفسير وجوه : الأول : أنه تعالى قال : { وَٱللَـٰتِى يَأْتِينَ ٱلْفَـٰحِشَةَ مِن نّسَائِكُمْ } فأضافهن إلى الأزواج . والثاني : أنه سماهن نساء وهذا الاسم أليق بالثيب . والثالث : أن الأذى أخف من الحبس في البيت والأخف للبكر دون الثيب . والرابع : قال الحسن : هذه الآية نزلت قبل الآية المتقدمة والتقدير : واللذان يأتيان الفاحشة من النساء والرجال فآذوهما فان تابا وأصلحا فأعرضوا عنهما . ثم نزل قوله : { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى ٱلْبُيُوتِ } [ النساء : 15 ] يعني إن لم يتوبا وأصرا على هذا الفعل القبيح فأمسكوهن في البيوت إلى أن يتبين لكم أحوالهن ، وهذا القول عندي في غاية البعد ، لأنه يوجب فساد الترتيب في هذه الآيات . الخامس : ما نقلناه عن أبي مسلم أن الآية الأولى في السحاقات ، وهذه في أهل اللواط وقد تقدم تقريره . والسادس : أن يكون المراد هو أنه تعالى بين في الآية الأولى أن الشهداء على الزنا لا بد وأن يكونوا أربعة ، فبين في هذه الآية أنهم لو كانوا شاهدين فآذوهما وخوفوهما بالرفع إلى الامام والحد ، فان تابا قبل الرفع إلى الامام فاتركوهما . المسألة الثالثة : اتفقوا على أنه لا بد في تحقيق هذا الايذاء من الايذاء باللسان وهو التوبيخ والتعيير ، مثل أن يقال : بئس ما فعلتما ، وقد تعرضتما لعقاب الله وسخطه ، وأخرجتما أنفسكما عن اسم العدالة ، وأبطلتما عن أنفسكما أهلية الشهادة . واختلفوا في أنه هل يدخل فيه الضرب ؟ فعن ابن عباس أنه يضرب بالنعال ، والأول أولى لأن مدلول النص إنما هو الايذاء ، وذلك حاصل بمجرد الايذاء باللسان ، ولا يكون في النص دلالة على الضرب فلا يجوز المصير اليه . ثم قال تعالى : { فَإِن تَابَا وَأَصْلَحَا فَأَعْرِضُواْ عَنْهُمَا } يعني فاتركوا ايذاءهما . ثم قال : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ تَوَّاباً رَّحِيماً } معنى التواب : أنه يعود على عبده بفضله ومغفرته إذا تاب اليه من ذنبه ، وأما قوله : { كَانَ تَوبَا } فقد تقدم الوجهُ فيه .