Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 176-176)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى تكلم في أول السورة في أحكام الأموال وختم آخرها بذلك ليكون الآخر مشاكلاً للأول ، ووسط السورة مشتمل على المناظرة مع الفرق المخالفين للدين . قال أهل العلم : إن الله تعالى أنزل في الكلالة آيتين إحداهما في الشتاء وهي التي في أول هذه السورة ، والأخرى في الصيف وهي هذه الآية ، ولهذا تسمى هذه الآية آية الصيف وقد ذكرنا أن الكلالة اسم يقع على الوارث وعلى الموروث ، فإن وقع على الوارث فهو من سوى الوالد والولد ، وإن وقع على الموروث فهو الذي مات ولا يرثه أحد الوالدين ولا أحد من الأولاد ، ثم قال { إِن ٱمْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ } ارتفع امرؤ بمضمر يفسره الظاهر ، ومحل { لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ } الرفع على الصفة ، أي إن هلك امرؤ غير ذي ولد . واعلم أن ظاهر هذه الآية فيه تقييدات ثلاث : الأول : أن ظاهر الآية يقتضي أن الأخت تأخذ النصف عند عدم الولد ، فأما عند وجود الولد فإنها لا تأخذ النصف ، وليس الأمر كذلك ، بل شرط كون الأخت تأخذ النصف أن لا يكون للميت ولد ابن ، فإن كان له بنت فإن الأخت تأخذ النصف . الثاني : أن ظاهر الآية يقتضي أنه إذا لم يكن للميت ولد فإن الأخت تأخذ النصف وليس كذلك ، بل الشرط أن لا يكون للميت ولد ولا والد ، وذلك أن الأخت لا ترث مع الوالد بالإجماع . الثالث : أن قوله { وَلَهُ أُخْتٌ } المراد منه الأخت من الأب والأم ، أو من الأب ، لأن الأخت من الأم والأخ من الأم قد بيّـن الله حكمه في أول السورة بالإجماع . ثم قال تعالى : { وَهُوَ يَرِثُهَا إِن لَّمْ يَكُنْ لَّهَا وَلَدٌ } يعني أن الأخ يستغرق ميراث الأخت إذا لم يكن للأخت ولد ، إلاّ أن هذا الأخ من الأب والأم أو من الأب ، أما الأخ من الأم فإنه لا يستغرق الميراث . ثم قال تعالى : { فَإِن كَانَتَا ٱثْنَتَيْنِ فَلَهُمَا ٱلثُّلُثَانِ مِمَّا تَرَكَ وَإِن كَانُواْ إِخْوَةً رّجَالاً وَنِسَاء فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظّ ٱلأُنثَيَيْنِ } وهذه الآية دالة على أن الأخت المذكورة ليست هي الأخت من الأم فقط ، وروي أن الصديق رضي الله عنه قال في خطبته : ألا أن الآية التي أنزلها الله في سورة النساء في الفرائض ، فأولها : في الولد والوالد ، وثانيها : في الزوج والزوجة والإخوة من الأم ، والآية التي ختم بها سورة النساء أنزلها في الأخوة والأخوات من الأب والأم ، والآية التي ختم بها سورة الأنفال أنزلها في أولي الأرحام . ثم قال تعالى : { يُبَيّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } وفيه وجوه : الأول : قال البصريون : المضاف هٰهنا محذوف وتقديره : يبين الله لكم كراهة أن تضلوا ، إلاّ أنه حذف المضاف كقوله { وَٱسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] الثاني : قال الكوفيون : حرف النفي محذوف ، والتقدير : يبين الله لكم لئلا تضلوا ، ونظيره قوله { إِنَّ ٱللَّهَ يُمْسِكُ ٱلسَّمَـٰوَاتِ وَٱلأَرْضَ أَن تَزُولاَ } [ فاطر : 41 ] أي لئلا تزولا . الثالث : قال الجرجاني صاحب « النظم » : يبين الله لكم الضلالة لتعلموا أنها ضلالة فتجنبوها . ثم قال تعالى : { وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } فيكون بيانه حقاً وتعريفه صدقاً . واعلم أن في هذه الصورة لطيفة عجيبة ، وهي أن أولها مشتمل على بيان كمال قدرة الله تعالى فإنه قال : { يَـأَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ وٰحِدَةٍ } [ النساء : 1 ] وهذا دال على سعة القدرة ، وآخرها مشتمل على بيان كمال العلم وهو قوله { وَٱللَّهُ بِكُلّ شَيْء عَلِيمٌ } وهذان الوصفان هما اللذان بهما تثبت الربوبية والإلۤهية والجلالة والعزة ، وبهما يجب على العبد أن يكون مطيعاً للأوامر والنواهي منقاداً لكل التكاليف .