Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 4, Ayat: 19-19)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أنه تعالى بعد وصف التوبة عاد الى أحكام النساء ، واعلم أن أهل الجاهلية كانوا يؤذون النساء بأنواع كثيرة من الايذاء ، ويظلمونهن بضروب من الظلم ، فالله تعالى نهاهم عنها في هذه الآيات . فالنوع الأول : قوله تعالى : { لاَ يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء كَرْهاً } وفيه مسألتان : المسألة الأولى : في الآية قولان : الأول : كان الرجل في الجاهلية اذا مات وكانت له زوجة جاء ابنه من غيرها أو بعض أقاربه فألقى ثوبه على المرأة وقال : ورثت امرأته كما ورثت ماله ، فصار أحق بها من سائر الناس ومن نفسها ، فان شاء تزوجها بغير صداق ، إلا الصداق الأول الذي أصدقها الميت ، وإن شاء زوجها من إنسان آخر وأخذ صداقها ولم يعطها منه شيئا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وبين أن ذلك حرام وأن الرجل لا يرث امرأة الميت منه ، فعلى هذا القول المراد بقوله : { أَن تَرِثُواْ ٱلنّسَاء } عين النساء ، وأنهن لا يورثن من الميت . والقول الثاني : ان الوراثة تعود الى المال ، وذلك أن وارث الميت كان له أن يمنعها من الأزواج حتى تموت فيرثها مالها ، فقال تعالى : لا يحل لكم أن ترثوا أموالهن وهن كارهات . المسألة الثانية : قرأ حمزة والكسائي { كَرْهاً } بضم الكاف ، وفي التوبة { أَنفِقُواْ طَوْعاً أَوْ كَرْهاً } [ التوبة : 53 ] وفي الأحقاف { حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً وَوَضَعَتْهُ كُرْهاً } [ الأحقاف : 15 ] كل ذلك بالضم ، وقرأ عاصم وابن عامر في الأحقاف بالضم ، والباقي بالفتح ، وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو بالفتح في جميع ذلك ، قال الكسائي : هما لغتان بمعنى واحد ، وقال الفراء : الكره بالفتح الاكراه ، وبالضم المشقة ، فما أكره عليه فهو كره بالفتح ، وما كان من قبل نفسه فهو كره بالضم . النوع الثاني : من الأشياء التي نهى الله عنها مما يتعلق بالنساء قوله تعالى : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : في محل { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } قولان : الأول : انه نصب بالعطف على حرف « أن » تقديره : ولا يحل لكم أن ترثوا النساء كرها ولا أن تعضلوهن في قراءة عبدالله ، والثاني : أنه جزم بالنهي عطفا على ما تقدم تقديره ، ولا ترثوا ولا تعضلوا . المسألة الثانية : العضل : المنع ، ومنه الداء العضال ، وقد تقدم الاستقصاء فيه في قوله : { فَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ أَن يَنكِحْنَ أَزْوٰجَهُنَّ } [ البقرة : 232 ] . المسألة الثالثة : المخاطب في قوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } من هو ؟ فيه أقوال : الأول : أن الرجل منهم قد كان يكره زوجته ويريد مفارقتها ، فكان يسيء العشرة معها ويضيق عليها حتى تفتدي منه نفسها بمهرها ، وهذا القول اختيار أكثر المفسرين ، فكأنه تعالى قال : لا يحل لكم التزوج بهن بالاكراه ، وكذلك لا يحل لكم بعد التزوج بهن العضل والحبس لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن . الثاني : أنه خطاب للوارث بأن يترك منعها من التزوج بمن شاءت وأرادت ، كما كان يفعله أهل الجاهلية وقوله : { لِتَذْهَبُواْ بِبَعْضِ مَا ءاتَيْتُمُوهُنَّ } معناه أنهم كانوا يحبسون امرأة الميت وغرضهم أن تبذل المرأة ما أخذت من ميراث الميت ، الثالث : أنه خطاب للأولياء ونهى لهم عن عضل المرأة ، الرابع : أنه خطاب للأزواج . فانهم في الجاهلية كانوا يطلقون المرأة وكانوا يعضلونهن عن التزوج ويضيقون الأمر عليهن لغرض أن يأخذوا منهن شيئا ، الخامس : أنه عام في الكل . أما قوله تعالى : { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ } ففيه مسائل : المسألة الأولى : في الفاحشة المبينة قولان : الأول : أنها النشوز وشكاسة الخلق وإيذاء الزوج وأهله ، والمعنى إلا أن يكون سوء العشرة من جهتهن فقد عذرتم في طلب الخلع ، ويدل عليه قراءة أبي بن كعب : إلا أن يفحش عليكم . والقول الثاني : أنها الزنا ، وهو قول الحسن وأبي قلابة والسدي . المسألة الثانية : قوله : { إِلاَّ أَن يَأْتِينَ } استثناء من ماذا ؟ فيه وجوه : الأول : انه استثناء من أخذ الأموال ، يعني لا يحل له أن يحبسها ضراراً حتى تفتدي منه إلا إذا زنت ، والقائلون بهذا منهم من قال : بقي هذا الحكم وما نسخ ، ومنهم من قال : انه منسوخ بآية الجلد . الثاني : أنه استثناء من الحبس والامساك الذي تقدم ذكره في قوله : { فَأَمْسِكُوهُنَّ فِى ٱلْبُيُوتِ } [ النساء : 15 ] وهو قول أبي مسلم وزعم أنه غير منسوخ . الثالث : يمكن أن يكون ذلك استثناء من قوله : { وَلاَ تَعْضُلُوهُنَّ } لأن العضل هو الحبس فدخل فيه الحبس في البيت ، فالأولياء والأزواج نهوا عن حبسهن في البيوت إلا أن يأتين بفاحشة مبينة ، فعند ذلك يحل للأولياء والأزواج حبسهن في البيوت . المسألة الثالثة : قرأ نافع وأبو عمرو { مُّبَيّنَةٍ } بكسر الياء و { آيات مُّبَيّنَـٰتٍ } [ النور : 34 ] بفتح الياء حيث كان ، قال لأن في قوله : { مُبَيّنَـٰتٍ } قصد إظهارها ، وفي قوله : { بِفَـٰحِشَةٍ مُّبَيّنَةٍ } لم يقصد اظهارها ، وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم بالفتح فيهما ، والباقون بكسر الياء فيهما ، أما من قرأ بالفتح فله وجهان : الأول : أن الفاحشة والآيات لا فعل لهما في الحقيقة ، إنما الله تعالى هو الذي بينهما . والثاني : ان الفاحشة تتبين ، فان يشهد عليها أربعة صارت مبينة ، وأما الآيات فان الله تعالى بينها ، وأما من قرأ بالكسر فوجهه أن الآيات إذا تبينت وظهرت صارت أسبابا للبيان وإذا صارت أسبابا للبيان جاز إسناد البيان اليها ، كما أن الاصنام لما كانت أسبابا للضلال حسن اسناد الاضلال اليها كقوله تعالى : { رَبّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مّنَ ٱلنَّاسِ } [ إبراهيم : 36 ] . النوع الثالث : من التكاليف المتعلقة بأحوال النساء قوله تعالى : { وَعَاشِرُوهُنَّ بِٱلْمَعْرُوفِ } وكان القوم يسيئون معاشرة النساء فقيل لهم : وعاشروهن بالمعروف ، قال الزجاج : هو النصفة في المبيت والنفقة ، والاجمال في القول . ثم قال تعالى : { فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ } أي كرهتم عشرتهن بالمعروف وصحبتهن ، وآثرتم فراقهن { فَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ ٱللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً } والضمير في قوله { فِيهِ } إلى ماذا يعود ؟ فيه وجهان : الأول : المعنى انكم إن كرهتم صحبتهن فأمسكوهن بالمعروف فعسى أن يكون في صحبتهن الخير الكثير ومن قال بهذا القول فتارة فسر الخير الكثير بولد يحصل فتنقلب الكراهة محبة ، والنفرة رغبة وتارة بأنه لما كره صحبتها ثم إنه يحمل ذلك المكروه طلبا لثواب الله ، وأنفق عليها وأحسن اليها على خلاف الطبع ، استحق الثواب الجزيل في العقبى والثناء الجميل في الدنيا ، الثاني : أن يكون المعنى إن كرهتموهن ورغبتم في مفارقتهن ، فربما جعل الله في تلك المفارقة لهن خيرا كثيرا ، وذلك بأن تتخلص تلك المرأة من هذا الزوج وتجد زوجا خيراً منه ، ونظيره قوله : { وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ ٱللَّهُ كُلاًّ مّن سَعَتِهِ } [ النساء : 130 ] وهذا قول أبي بكر الأصم ، قال القاضي : وهذا بعيد لأنه تعالى حث بما ذكر على سبيل الاستمرار على الصحبة ، فكيف يريد بذلك المفارقة . النوع الرابع : من التكاليف المتعلقة بالنساء .