Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 56-56)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى بعدما ذكر الوعيد بالطائفة الخاصة من أهل الكتاب بين ما يعم الكافرين من الوعيد فقال : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ بِـئَايَـٰتِنَا } وفي الآية مسائل : المسألة الأولى : يدخل في الآيات كل ما يدل على ذات الله وأفعاله وصفاته وأسمائه والملائكة والكتب والرسل ، وكفرهم بالآيات ليس يكون بالجحد ، لكن بوجوه ، منها أن ينكروا كونها آيات ، ومنها أن يغفلوا عنها فلا ينظروا فيها . ومنها أن يلقوا الشكوك والشبهات فيها . ومنها : أن ينكروها مع العلم بها على سبيل العناد والحسد ، وأما حد الكفر وحقيقته فقد ذكرناه في سورة البقرة في تفسير قوله تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ سَوَاء عَلَيْهِمْ } [ البقرة : 6 ] . المسألة الثانية : قال سيبويه : « سوف » كلمة تذكر للتهديد والوعيد ، يقال : سوف أفعل ، وينوب عنها حرف السين كقوله : { سَأُصْلِيهِ سَقَرَ } [ المدثر : 26 ] وقد ترد كلمة « سوف » في الوعد أيضا قال تعالى : { وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَىٰ } [ الضحى : 5 ] وقال : { سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبّى } [ يوسف : 98 ] قيل أخره إلى وقت السحر تحقيقا للدعاء ، وبالجملة فكلمة « السين » و « سوف » مخصوصتان بالاستقبال . المسألة الثالثة : قوله : { نُصْلِيهِمْ } أي ندخلهم النار ، لكن قوله : { نُصْلِيهِمْ } فيه زيادة على ذلك فانه بمنزلة شويته بالنار ، يقال شاة مصلية أي مشوية . ثم قال تعالى : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } وفيه سؤالان : السؤال الأول : لما كان تعالى قادرا على ابقائهم أحياء في النار أبد الآباد فلم لم يبق أبدانهم في النار مصونة عن النضج والاحتراق مع أنه يوصل اليها الآلام الشديدة ، حتى لا يحتاج إلى تبديل جلودهم بجلود أخرى ؟ والجواب : أنه تعالى لا يسأل عما يفعل ، بل نقول : انه تعالى قادر على أن يوصل إلى أبدانهم آلاما عظيمة من غير إدخال النار مع انه تعالى أدخلهم النار . السؤال الثاني : الجلود العاصية إذا احترقت فلو خلق الله مكانها جلوداً أخرى وعذبها كان هذا تعذيبا لمن لم يعص وهو غير جائز . والجواب عنه من وجوه : الأول : أن يجعل النضج غير النضيج ، فالذات واحدة والمتبدل هو الصفة ، فاذا كانت الذات واحدة كان العذاب لم يصل إلا إلى العاصي ، وعلى هذا التقدير المراد بالغيرية التغاير في الصفة . الثاني : المعذب هو الانسان ، وذلك الجلد ما كان جزأ من ماهية الانسان ، بل كان كالشيء الملتصق به الزائد على ذاته ، فاذا جدد الله الجلد وصار ذلك الجلد الجديد سببا لوصول العذاب اليه لم يكن ذلك تعذيبا الا للعاصي . الثالث : أن المراد بالجلود السرابيل ، قال تعالى : { سَرَابِيلُهُم مّن قَطِرَانٍ } [ إبراهيم : 50 ] فتجديد الجلود إنما هو تجديد السرابيلات . طعن القاضي فيه ، فقال : انه ترك للظاهر ، وأيضا السرابيل من القطران لا توصف بالنضج ، وإنما توصف بالاحتراق . الرابع : يمكن أن يقال : هذا استعارة عن الدوام وعدم الانقطاع ، كما يقال لمن يراد وصفه بالدوام : كلما انتهى فقد ابتدأ ، وكلما وصل الى آخره فقد ابتدأ من أوله ، فكذا قوله : { كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَـٰهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا } يعني كلما ظنوا أنهم نضجوا واحترقوا وانتهوا إلى الهلاك أعطيناهم قوة جديدة من الحياة بحيث ظنوا أنهم الآن حدثوا ووجدوا ، فيكون المقصود بيان دوام العذاب وعدم انقطاعه . الخامس : قال السدي : إنه تعالى يبدل الجلود من لحم الكافر فيخرج من لحمه جلدا آخر وهذا بعيد ، لأن لحمه متناه ، فلا بد وأن ينفد ، وعند نفاد لحمه لا بد من طريق آخر في تبديل الجلد ، ولم يكن ذلك الطريق مذكورا أولا والله أعلم . ثم قال تعالى : { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } وفيه سؤالان : السؤال الأول : قوله : { لِيَذُوقُواْ ٱلْعَذَابَ } أي ليدوم لهم ذوقه ولا ينقطع ، كقولك للمعزوز : أعزك الله ، أي أدامك على العز وزادك فيه . وأيضا المراد ليذوقوا بهذه الحالة الجديدة العذاب ، وإلا فهم ذائقون مستمرون عليه . السؤال الثاني : أنه إنما يقال : فلان ذاق العذاب إذا أدرك شيئا قليلا منه ، والله تعالى قد وصف أنهم كانوا في أشد العذاب ، فكيف يحسن أن يذكر بعد ذلك أنهم ذاقوا العذاب ؟ والجواب : المقصود من ذكر الذوق الاخبار بأن إحساسهم بذلك العذاب في كل حال يكون كاحساس الذائق المذوق ، من حيث أنه لا يدخل فيه نقصان ولا زوال بسبب ذلك الاحتراق . ثم قال تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِيزاً حَكِيماً } والمراد من العزيز : القادر الغالب ، ومن الحكيم : الذي لا يفعل إلا الصواب ، وذكرهما في هذا الموضع في غاية الحسن ، لأنه يقع في القلب تعجب من أنه كيف يمكن بقاء الانسان في النار الشديدة أبد الآباد ! فقيل : هذا ليس بعجيب من الله ، لأنه القادر الغالب على جميع الممكنات ، يقدر على إزالة طبيعة النار ، ويقع في القلب أنه كريم رحيم ، فكيف يليق برحمته تعذيب هذا الشخص الضعيف إلى هذا الحد العظيم ؟ فقيل : كما أنه رحيم فهو أيضا حكيم ، والحكمة تقتضي ذلك . فان نظام العالم لا يبقى إلا بتهديد العصاة ، والتهديد الصادر منه لا بد وأن يكون مقرونا بالتحقيق صونا لكلامه عن الكذب ، فثبت أن ذكر هاتين الكلمتين ههنا في غاية الحسن .