Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 4, Ayat: 75-75)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعمل أن المراد منه إنكاره تعالى لتركهم القتال ، فصار ذلك توكيدا لما تقدم من الأمر بالجهاد وفيه مسائل : المسألة الأولى : قوله : { وما لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ } يدل على أن الجهاد واجب ، ومعناه أنه لا عذر لكم في ترك المقاتلة وقد بلغ حال المستضعفين من الرجال والنساء والولدان من المسلمين إلى ما بلغ في الضعف ، فهذا حث شديد على القتال ، وبيان العلة التي لها صار القتال واجبا ، وهو ما في القتال من تخليص هؤلاء المؤمنين من أيدي الكفرة ، لأن هذا الجمع إلى الجهاد يجري مجرى فكاك الأسير . المسألة الثانية : قالت المعتزلة قوله : { وَمَا لَكُمْ لاَ تُقَـٰتِلُونَ فِى سَبِيلِ ٱللَّهِ } انكار عليهم في ترك القتال وبيان أنه لا عذر لهم ألبتة في تركه ، ولو كان فعل العبد بخلق الله لبطل هذا الكلام لأن من أعظم العذر أن الله ما خلقه وما أراده وما قضى به ، وجوابه مذكور . المسألة الثالثة : اتفقوا على أن قوله : { وَٱلْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ ٱلرّجَالِ وَٱلنّسَاء وَٱلْوِلْدٰنِ } متصل بما قبله ، وفيه وجهان : أحدهما : أن يكون عطفا على السبيل ، والمعنى : مالكم لا تقاتلون في سبيل الله وفي المستضعفين . والثاني : أن يكون معطوفا على اسم الله عز وجل ، أي في سبيل الله وفي سبيل المستضعفين . المسألة الرابعة : المراد بالمستضعفين من الرجال والنساء والولدان قوم من المسلمين بقوا بمكة وعجزوا عن الهجرة إلى المدينة ، وكانوا يلقون من كفار مكة أذى شديدا . قال ابن عباس : كنت أنا وأمي من المستضعفين من النساء والولدان . المسألة الخامسة : الولدان : جمع الولد ، ونظيره مما جاء على فعل وفعلان ، نحو حزب وحزبان ، وورك ووركان ، كذلك ولد وولدان . قال صاحب « الكشاف » : ويجوز أن يراد بالرجال والنساء الاحرار والحرائر ، وبالولدان العبيد والإماء ، لأن العبد والأمة يقال لهما الوليد والوليدة ، وجمعهما الولدان والولائد ، إلا أنه جعل ههنا الولدان جمعا للذكور والاناث تغليبا للذكور على الاناث ، كما يقال آباء وإخوة والله أعلم . المسألة السادسة : إنما ذكر الله الولدان مبالغة في شرح ظلمهم حيث بلغ أذاهم الولدان غير المكلفين إرغاما لآبائهم وأمهاتهم ، ومبغضة لهم بمكانهم ، ولأن المستضعفين كانوا يشركون صبيانهم في دعائهم استنزالا لرحمة الله بدعاء صغارهم الذين لم يذنبوا ، كما وردت السنة باخراجهم في الاستسقاء ، ثم حكى تعالى عن هؤلاء المستضعفين أنهم كانوا يقولون : { رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } وفيه مسائل : المسألة الأولى : أجمعوا على أن المراد امن هذه القرية الظالم أهلها مكة ، وكون أهلها موصوفين بالظلم يحتمل أن يكون لأنهم كانوا مشركين قال تعالى : { إِنَّ ٱلشّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ } [ لقمان : 13 ] وأن يكون لأجل أنهم كانوا يؤذون المسلمين ويوصلون إليهم أنواع المكاره . المسألة الثانية : لقائل أن يقول : القرية مؤنثة ، وقوله : { ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا } صفة للقرية ولذلك خفض ، فكان ينبغي أن يقال : الظالمة أهلها ، وجوابه أن النحويين يسمون مثل هذه الصفة الصفة المشبهة باسم الفاعل ، والأصل في هذا الباب : أنك اذا أدخلت الألف واللام في الأخير أجريته على الأول في تذكيره وتأنيثه ، نحو قولك : مررت بامرأة حسنة الزوج كريمة الأب ، ومررت برجل جميل الجارية ، واذا لم تدخل الألف واللام في الأخير حملته على الثاني في تذكيره وتأنيثه كقولك : مررت بامرأة كريم أبوها ، ومن هذا قوله تعالى : { أَخْرِجْنَا مِنْ هَـٰذِهِ ٱلْقَرْيَةِ ٱلظَّـٰلِمِ أَهْلُهَا } ولو أدخلت الألف واللام على الأهل لقلت من هذه القرية الظالمة الأهل ، وإنما جاز أن يكون الظالم نعتا للقرية لأنه صفة للأهل ، والأهل منتسبون إلى القرية ، وهذا القدر كاف في صحة الوصف كقولك مررت برجل قائم أبوه ، فالقيام للأب وقد جعلته وصفا للرجل ، وإنما كان هذا القدر كافيا في صحة الوصف لأن المقصود من الوصف التخصيص والتمييز ، وهذا المقصود حاصل من مثل هذا الوصف ، والله أعلم . المسألة الثانية : في قوله : { وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ وَلِيّاً وَٱجْعَلْ لَّنَا مِن لَّدُنْكَ نَصِيراً } قولان : فالأول : قال ابن عباس : يريدون اجعل علينا رجلا من المؤمنين يوالينا ويقوم بمصالحنا ويحفظ علينا ديننا وشرعنا ، فأجاب الله تعالى دعاءهم لأن النبي عليه الصلاة والسلام لما فتح مكة جعل عتاب بن أسيد أميراً لهم ، فكان الولي هو الرسول عليه الصلاة والسلام ، وكان النصير عتاب بن أسيد ، وكان عتاب ينصف الضعيف من القوي والذليل من العزيز . الثاني : المراد : واجعل لنا من لدنك ولاية ونصرة ، والحاصل كن أنت لنا وليا وناصرا .