Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 29-33)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أن مؤمن آل فرعون لما أقام أنواع الدلائل على أنه لا يجوز الإقدام على قتل موسى ، خوفهم في ذلك بعذاب الله فقال : { يٰقَومِ لَكُمُ ٱلْمُلْكُ ٱلْيَوْمَ ظَـٰهِرِينَ فِى ٱلأَرْضِ } يعني قد علوتم الناس وقهرتموهم ، فلا تفسدوا أمركم على أنفسكم ولا تتعرضوا لبأس الله وعذابه ، فإنه لا قبل لكم به ، وإنما قال : { يَنصُرُنَا } و { جَاءنَا } لأنه كان يظهر من نفسه أنه منهم وأن الذي ينصحهم به هو مشارك لهم فيه ، ولما قال ذلك المؤمن هذا الكلام { قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى } أي لا أشير إليكم برأي سوى ما ذكرته أنه يجب قتله حسماً لمادة الفتنة { وَمَا أَهْدِيكُمْ } بهذا الرأي { إِلاَّ سَبِيلَ ٱلرَّشَادِ } والصلاح ، ثم حكى تعالى أن ذلك المؤمن رد هذا الكلام على فرعون فقال : { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } . واعلم أنه تعالى حكى عن ذلك المؤمن أنه كان يكتم إيمانه ، والذي يكتم كيف يمكنه أن يذكر هذه الكلمات مع فرعون ، ولهذا السبب حصل ههنا قولان الأول : أن فرعون لما قال : { ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ } [ غافر : 26 ] لم يصرح ذلك المؤمن بأنه على دين موسى ، بل أوهم أنه مع فرعون وعلى دينه ، إلا أنه زعم أن المصلحة تقتضي ترك قتل موسى ، لأنه لم يصدر عنه إلا الدعوة إلى الله والإتيان بالمعجزات القاهرة وهذا لا يوجب القتل ، والإقدام على قتله يوجب الوقوع في ألسنة الناس بأقبح الكلمات ، بل الأولى أن يؤخر قتله وأن يمنع من إظهار دينه ، لأن على هذا التقدير إن كان كاذباً كان وبال كذبه عائداً إليه ، وإن كان صادقاً حصل الانتفاع به من بعض الوجوه ، ثم أكد ذلك بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } [ غافر : 28 ] يعني أنه إن صدق فيما يدعيه من إثبات الإله القادر الحكيم فهو لا يهدي المسرف الكذاب ، فأوهم فرعون أنه أراد بقوله { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يَهْدِى مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ } أنه يريد موسى وهو إنما كان يقصد به فرعون ، لأن المسرف الكذاب هو فرعون والقول الثاني : أن مؤمن آل فرعون كان يكنم إيمانه أولاً ، فلما قال فرعون { ذَرُونِى أَقْتُلْ مُوسَىٰ } أزال الكتمان وأظهر كونه على دين موسى ، وشافه فرعون بالحق . واعلم أنه تعالى حكى عن هذا المؤمن أنواعاً من الكلمات ذكرها لفرعون الأول : قوله { يٰقَوْمِ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } والتقدير مثل أيام الأحزاب ، إلا أنه لما أضاف اليوم إلى الأحزاب وفسرهم بقوم نوح وعاد ثمود ، فحينئذٍ ظهر أن كل حزب كان له يوم معين في البلاء ، فاقتصر من الجمع على ذكر الواحد لعدم الالتباس ، ثم فسّر قوله { إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ مّثْلَ يَوْمِ ٱلأَحْزَابِ } بقوله { مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ } ودأب هؤلاء دونهم في عملهم من الكفار والتكذيب وسائر المعاصي ، فيكون ذلك دائباً ودائماً لا يفترون عنه ، ولا بد من حذف مضاف يريد مثل جزاء دأبهم ، والحاصل أنه خوفهم بهلاك معجل في الدنيا ، ثم خوفهم أيضاً بهلاك الآخرة ، وهو قوله { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } والمقصود منه التنبيه على عذاب الآخرة . والنوع الثاني : من كلمات ذلك المؤمن قوله تعالى : { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ } يعني أن تدمير أولئك الأحزاب كان عدلاً ، لأنهم استوجبوه بسبب تكذيبهم للأنبياء ، فتلك الجملة قائمة ههنا ، فوجب حصول الحكم ههنا ، قالت المعتزلة : { وَمَا ٱللَّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لّلْعِبَادِ } يدل على أنه لا يريد أن يظلم بعض العباد بعضاً ، ويدل على أنه لا يريد ظلم أحد من العباد ، فلو خلق الكفر فيهم ثم عذبهم على ذلك الكفر لكان ظالماً ، وإذا ثبت أنه لا يريد الظلم ألبتة ثبت أنه غير خالق لأفعال العباد ، لأنه لو خلقها لأرادها ، وثبت أيضاً أنه قادر على الظلم ، إذ لو لم يقدر عليه لما حصل المدح بترك الظلم ، وهذا الاستدلال قد ذكرناه مراراً في هذا الكتاب مع الجواب ، فلا فائدة في الإعادة . النوع الثالث : من كلمات هذا المؤمن قوله { وَيٰقَوْمِ إِنّى أَخَافُ عَلَيْكُمْ يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } وفيه مسائل : المسألة الأولى : التنادي تفاعل من النداء ، يقال تنادى القوم ، أي نادى بعضهم بعضاً ، والأصل الياء وحذف الياء حسن في الفواصل ، وذكرنا ذلك في { يَوْمَ ٱلتَّلاَقِ } [ غافر : 15 ] وأجمع المفسرون على أن { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } يوم القيامة ، وفي سبب تسمية ذلك اليوم بذلك الاسم وجوه الأول : أن أهل النار ينادون أهل الجنة ، وأهل الجنة ينادون أهل النار ، كما ذكر الله عنهم في سورة الأعراف { وَنَادَىٰ أَصْحَـٰبُ ٱلنَّارِ أَصْحَـٰبَ ٱلْجَنَّةِ } [ الاعراف : 50 ] ، { وَنَادَى أَصْحَـٰبُ ٱلْجَنَّةِ أَصْحَـٰبَ ٱلنَّارِ } [ الاعراف : 44 ] ، الثاني : قال الزجاج : لا يبعد أن يكون السبب فيه قوله تعالى : { يَوْمَ نَدْعُواْ كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَـٰمِهِمْ } [ الإسرار : 71 ] ، الثالث : أنه ينادي بعض الظالمين بعضاً بالويل والبثور فيقولون { يا ويلنا } [ الأنبياء : 14 ] ، الرابع : ينادون إلى المحشر ، أي يدعون الخامس : ينادي المؤمن { هَاؤُمُ ٱقْرَؤُاْ كِتَـٰبيَهْ } [ الحاقة : 19 ] والكافر { يٰلَيْتَنِى لَمْ أُوتَ كِتَـٰبِيَهْ } [ الحاقة : 25 ] ، السادس : ينادى باللعنة على الظالمين السابع : يجاء بالموت على صورة كبش أملح ، ثم يذبح وينادى يا أهل القيامة لا موت ، فيزداد أهل الجنة فرحاً على فرحهم ، وأهل النار حزناً على حزنهم الثامن : قال أبو علي الفارسي : التنادي مشتق من التناد ، من قولهم ند فلان إذا هرب ، وهو قراءة ابن عباس وفسرها ، فقال يندون كما تند الإبل ، ويدل على صحة هذه القراءة قوله تعالى : { يَوْمَ يَفِرُّ ٱلْمَرْء مِنْ أَخِيهِ } [ عبس : 34 ] الآية . وقوله تعالى بعد هذه الآية { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } لأنهم إذا سمعوا زفير النار يندون هاربين ، فلا يأتون قطراً من الأقطار إلا وجدوا ملائكة صفوفاً ، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه . المسألة الثانية : انتصب قوله { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } لوجهين أحدهما : الظرف للخوف ، كأنه خاف عليهم في ذلك اليوم ، لما يلحقهم من العذاب ، إن لم يؤمنوا والآخر أن يكون التقدير إني أخاف عليكم عذاب يوم التناد وإذا كان كذلك كان انتصاب يوم انتصاب المفعول به ، لا انتصاب الظرف ، لأن إعرابه إعراب المضاف المحذوف ، ثم قال : { يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ } وهو بدل من قوله { يَوْمَ ٱلتَّنَادِ } عن قتادة : منصرفين عن موقف يوم الحساب إلى النار ، وعن مجاهد : فارين عن النار غير معجزين ، ثم أكد التهديد فقال : { مَا لَكُمْ مّنَ ٱللَّهِ مِنْ عَاصِمٍ } ثم نبه على قوة ضلالتهم وشدة جهالتهم فقال : { وَمَن يُضْلِلِ ٱللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ } .