Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 40, Ayat: 69-76)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

اعلم أنه تعالى عاد إلى ذم الذين يجادلون في آيات الله فقال : { أَلَمْ تَرَ إِلَى ٱلَّذِينَ يُجَـٰدِلُونَ فِى ءايَـٰتِ ٱللَّهِ أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } وهذا ذم لهم على أن جادلوا في آيات الله ودفعها والتكذيب بها ، فعجب تعالى منهم بقوله { أَنَّىٰ يُصْرَفُونَ } كما يقول الرجل لمن لا يبين : أنى يذهب بك تعجباً من غفلته ، ثم بيّـن أنهم هم { ٱلَّذِينَ كَذَّبُواْ بِٱلْكِـتَـٰبِ } أي بالقرآن { وَبِمَا أَرْسَلْنَا بِهِ رُسُلَنَا } من سائر الكتب ، فإن قيل سوف للاستقبال ، وإذ للماضي فقوله { فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ } مثل قولك : سوف أصوم أمس قلنا المراد من قوله { إِذْ } هو إذاً ، لأن الأمور المستقبلة لما كان في أخبار الله تعالى متيقنة مقطوعاً بها عبر عنها بلفظ ما كان ووجد ، والمعنى على الاستقبال ، هذا لفظ صاحب « الكشاف » . ثم إنه تعالى وصف كيفية عقابهم فقال : { إِذِ ٱلأَغْلَـٰلُ فِى أَعْنَـٰقِهِمْ وٱلسَّلَـٰسِلُ يُسْحَبُونَ ، فِى ٱلْحَمِيمِ } والمعنى : أنه يكون في أعناقهم الأغلال والسلاسل ، ثم يسحبون بتلك السلاسل في الحميم ، أي في الماء المسخن بنار جهنم { ثُمَّ فِى ٱلنَّارِ يُسْجَرُونَ } والسجر في اللغة الإيقاد في التنور ، ومعناه أنهم في النار فهي محيطة بهم ، ويقرب منه قوله تعالى : { نَارُ ٱللَّهِ ٱلْمُوقَدَةُ ٱلَّتِى تَطَّلِعُ عَلَى ٱلاْفْئِدَةِ } [ الهمزة : 6 ، 7 ] { ثُمَّ قِيلَ لَهُمْ أَيْنَ مَا كُنتُمْ تُشْرِكُونَ مِن دُونِ ٱللَّهِ } فيقولون { ضَـلُّواْ عَنَّا } أي غابوا عن عيوننا فلا نراهم ولا نستشفع بهم ، ثم قالوا { بَل لَّمْ نَكُنْ نَّدْعُواْ مِن قَبْلُ شَيْئاً } أي تبيّـن أنهم لو لم يكونوا شيئاً ، وما كنا نعبد بعبادتهم شيئاً ، كما تقول حسبت أن فلاناً شيء ، فإذا هو ليس بشيء إذا جربته فلم تجد عنده خيراً ، ويجوز أيضاً أن يقال إنهم كذبوا وأنكروا أنهم عبدوا غير الله ، كما أخبر الله تعالى عنهم في سورة الأنعام أنهم قالوا { وَٱللَّهِ رَبّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ } ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَـٰفِرِينَ } قال القاضي : معناه أنه يضلهم عن طريق الجنة ، إذ لا يجوز أن يقال يضلهم عن الحجة إذ قد هداهم في الدنيا إليها ، وقال صاحب « الكشاف » { كَذَلِكَ يُضِلُّ ٱللَّهُ ٱلْكَـٰفِرِينَ } مثل ضلال آلهتهم عنهم يضلهم عن آلهتهم ، حتى أنهم لو طلبوا الآلهة أو طلبتم الآلهة لم يجد أحدهما الآخر ، ثم قال : { ذَلِكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَفْرَحُونَ فِى ٱلأَرْضِ } أي ذلكم الإضلال بسبب ما كان لكم من الفرح والمرح بغير الحق ، وهو الشرك وعبادة الأصنام { ٱدْخُلُواْ أَبْوٰبَ جَهَنَّمَ } السبعة المقسومة لكم ، قال الله تعالى : { لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلّ بَابٍ مّنْهُمْ جُزْء مَّقْسُومٌ } [ الحجر : 44 ] ، { خَـٰلِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى ٱلْمُتَكَـبّرِينَ } والمراد منه ما قال في الآية المتقدمة في صفة هؤلاء المجادلين { إِن فِى صُدُورِهِمْ إِلاَّ كِبْرٌ } [ غافر : 56 ] .