Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 43, Ayat: 46-56)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

في الآية مسائل : المسألة الأولى : اعلم أن المقصود من إعادة قصة موسى عليه السلام وفرعون في هذا المقام تقرير الكلام الذي تقدم ، وذلك لأن كفار قريش طعنوا في نبوة محمد صلى الله عليه وسلم بسبب كونه فقيراً عديم المال والجاه ، فبيّن الله تعالى أن موسى عليه السلام بعد أن أورد المعجزات القاهرة الباهرة التي لا يشك في صحتها عاقل أورد فرعون عليه هذه الشبهة التي ذكرها كفار قريش فقال : إني غني كثير المال والجاه ، ألا ترون أنه حصل لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي ، وأما موسى فإنه فقير مهين وليس له بيان ولسان ، والرجل الفقير كيف يكون رسولاً من عند الله إلى الملك الكبير الغني ، فثبت أن هذه الشبهة التي ذكرها كفارمكة وهي قولهم { لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] وقد أوردها بعينها فرعون على موسى ، ثم إنا انتقمنا منهم فأغرقناهم ، والمقصود من إيراد هذه القصة تقرير أمرين أحدهما : أن الكفار والجهال أبداً يحتجون على الأنبياء بهذه الشبهة الركيكة فلا يبالي بها ولا يلتفت إليها والثاني : أن فرعون على غاية كمال حاله في الدنيا صار مقهوراً باطلاً ، فيكون الأمر في حق أعدائك هكذا ، فثبت أنه ليس المقصود من إعادة هذه القصة عين هذه القصة ، بل المقصود تقرير الجواب عن الشبهة المذكورة ، وعلى هذا فلا يكون هذا تقريراً للقصة ألبتة وهذا من نفائس الأبحاث ، والله أعلم . المسألة الثانية : في تفسير الألفاظ ذكر تعالى أنه أرسل موسى بآياته وهي المعجزات التي كانت مع موسى عليه السلام إلى فرعون وملائه أي قومه ، فقال موسى إني رسول ربّ العالمين ، فلما جاءهم بتلك الآيات إذا هم منها يضحكون ، قيل إنه لما ألقى عصاه صار ثعباناً ، ثم أخذ فعاد عصاً كما كان ضحكوا ، ولم عرض عليهم اليد البيضاء ثم عادت كما كانت ضحكوا ، فإن قيل كيف جاز أن يجاب عن لما بإذا الذي يفيد المفاجأة ؟ قلنا لأن فعل المفاجأة معها مقدر كأنه قيل فلما جاءهم بآياتنا فاجأوا وقت ضحكهم . ثم قال : { وَمَا نُرِيِهِم مّنْ ءايَةٍ إِلاَّ هِىَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِهَا } فإن قيل ظاهر اللفظ يقتضي كون كل واحد منها أفضل من التالي وذلك محال ، قلنا إذا أُريد المبالغة في كون كل واحد من تلك الأشياء بالغاً إلى أقصى الدرجات في الفضيلة ، فقد يذكر هذا الكلام بمعنى أنه لا يبعد في أناس ينظرون إليها أن يقول هذا إن هذا أفضل من الثاني ، وأن يقول الثاني لا بل الثاني أفضل ، وأن يقول الثالث بل الثالث أفضل ، وحينئذ يصير كل واحد من تلك الأشياء مقولاً فيه إنه أفضل من غيره . ثم قال تعالى : { وَأَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } أي عن الكفر إلى الإيمان ، قالت المعتزلة هذا يدل على أنه تعالى يريد الإيمان من الكل وأنه إنما أظهر تلك المعجزات القاهرة لإرادة أن يرجعوا من الكفر إلى الإيمان ، قال المفسرون ومعنى قوله { وَأَخَذْنَـٰهُم بِٱلْعَذَابِ } أي بالأشياء التي سلطها عليها كالطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس . ثم قال تعالى : { وَقَالُواْ يـٰأَيُّه ٱلسَّاحِرُ ٱدْعُ لَنَا رَبَّكَ بِمَا عَهِدَ عِندَكَ إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } فإن قيل كيف سموه بالساحر مع قولهم { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } ؟ قلنا فيه وجوه الأول : أنهم كانوا يقولون للعالم الماهر ساحر ، لأنهم كانوا يستعظمون السحر ، وكما يقال في زماننا في العامل العجيب الكامل إنه أتى بالسحر الثاني : { وَقَالُواْ يـٰأَيُّه ٱلسَّاحِرُ } في زعم الناس ومتعارف قوم فرعون كقوله { يأَيُّهَا ٱلَّذِى نُزّلَ عَلَيْهِ ٱلذّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ } [ الحجر : 6 ] أي نزل عليه الذكر في اعتقاده وزعمه الثالث : أن قولهم { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } وقد كانوا عازمين على خلافه ألا ترى إلى قوله { فَلَمَّا كَشَفْنَا عَنْهُمُ ٱلْعَذَابَ إِذَا هُمْ يَنكُثُونَ } فتسميتهم إياه بالسحر لا ينافي قولهم { إِنَّنَا لَمُهْتَدُونَ } ثم بيّن تعالى أنه لما كشف عنهم العذاب نكثوا ذلك العهد . ولما حكى الله تعالى معاملة فرعون مع موسى ، حكى أيضاً معاملة فرعون معه فقال : { وَنَادَىٰ فِرْعَوْنُ فِى قَوْمِهِ } والمعنى أنه أظهر هذا القول فقال : { قَالَ يَـا قَوْمِ أَلَيْسَ لِى مُلْكُ مِصْرَ وَهَـٰذِهِ ٱلأَنْهَـٰرُ تَجْرِى مِن تَحْتِى } يعني الأنهار التي فصلوها من النيل ومعظمها أربعة نهر الملك ونهر طولون ونهر دمياط ونهر تنيس ، قيل كانت تجري تحت قصره ، وحاصل الأمر أنه احتج بكثرة أمواله وقوة جاهه على فضيلة نفسه . ثم قال : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ مّنْ هَـٰذَا ٱلَّذِى هُوَ مَهِينٌ وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } وعنى بكونه مهيناً كونه فقيراً ضعيف الحال ، وبقوله { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } حبسة كانت في لسانه ، واختفلوا في معنى أم ههنا فقال أبو عبيدة مجازها بل أنا خير ، وعلى هذا فقد تم الكلام عند قوله { أَفلاَ تُبْصِرُونَ } ثم ابتدأ فقال : { أَمْ أَنَا خَيْرٌ } بمعنى بل أنا خير ، وقال الباقون أم هذه متصلة لأن المعنى أفلا تبصرون أم تبصرون إلا أنه وضع قوله { أَنَا خَيْرٌ } موضع تبصرون ، لأنهم إذا قالوا له أنت خير فهم عنده بصراء ، وقال آخرون إن تمام الكلام عند قوله { أَمْ } وقوله { أَنَا خَيْرٌ } ابتداء الكلام والتقدير أفلا تبصرون أم تبصرون لكنه اكتفى فيه بذكر أم كما تقول لغيرك : أتأكل أم أي أتأكل أم لا تأكل ، تقتصر على ذكر كلمة أم إيثاراً للاختصار فكذا ههنا ، فإن قيل أليس أن موسى عليه السلام سأل الله تعالى أن يزيل الرتة عن لسانه بقوله { وَٱحْلُلْ عُقْدَةً مّن لّسَانِى يَفْقَهُواْ قَوْلِي } [ طه : 27 ] فأعطاه الله تعالى ذلك بقوله { قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } [ طه : 36 ] فكيف عابه فرعون بتلك الرتة ؟ والجواب : عنه من وجهين : الأول : أن فرعون أراد بقوله { وَلاَ يَكَادُ يُبِينُ } حجته التي تدل على صدقه فيما يدعي ولم يرد أنه لا قدرة له على الكلام والثاني : أنه عابه بما كان عليه أولاً ، وذلك أن موسى كان عند فرعون زماناً طويلاً وفي لسانه حبسة ، فنسبه فرعون إلى ما عهده عليه من الرتة لأنه لم يعلم أن الله تعالى أزال ذلك العيب عنه . ثم قال : { فَلَوْلاَ أُلْقِىَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مّن ذَهَبٍ } والمراد أن عادة القوم جرت بأنهم إذا جعلوا واحداً منهم رئيساً لهم سوروه بسوار من ذهب وطوقوه بطوق من ذهب ، فطلب فرعون من موسى مثل هذه الحالة ، واختلف القراء في أسورة فبعضهم قرأ أسوِرَة وآخرون أساورة فأسورة جمع سوار لأدنى العدد ، كقولك حمار وأحمرة وغراب وأغربة ، ومن قرأ أساورة فذاك لأن أساوير جمع أسوار وهو السوار فأساورة تكون الهاء عوضاً عن الياء ، نحو بطريق وبطارقة وزنديق وزنادقة وفرزين وفرازنة فتكون أساورة جمع أسوار ، وحاصل الكلام يرجع إلى حرف واحد وهو أن فرعون كان يقول أنا أكثر مالاً وجاهاً ، فوجب أن أكون أفضل منه فيمتنع كونه رسولاً من الله ، لأن منصب النبوة يقتضي المخدومية ، والأخس لا يكون مخدوماً للأشرف ، ثم المقدمة الفاسدة هي قوله من كان أكثر مالاً وجاهاً فهو أفضل وهي عين المقدمة التي تمسك بها كفار قريش في قولهم { لَوْلاَ نُزّلَ هَـٰذَا ٱلْقُرْءانُ عَلَىٰ رَجُلٍ مّنَ ٱلْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ } [ الزخرف : 31 ] ثم قال : { أَوْ جَاء مَعَهُ ٱلْمَلَـئِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } يجوز أن يكون المراد مقرنين به ، من قولك قرنته به فاقترن وأن يكون من قولهم اقترنوا بمعنى تقارنوا ، قال الزجاج معناه يمشون معه فيدلون على صحة نبوته . ثم قال تعالى : { فَٱسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ } أي طلب منهم الخفة في الإتيان بما كان يأمرهم به فأطاعوه { إِنَّهُمْ كَانُواْ قَوْماً فَـٰسِقِينَ } حيث أطاعوا ذلك الجاهل الفاسق { فَلَمَّا ءاسَفُونَا } أغضبونا ، حكي أن ابن جريج غضب في شيء فقيل له أتغضب يا أبا خالد ؟ فقال قد غضب الذي خلق الأحلام إن الله يقول { فَلَمَّا ءاسَفُونَا } أي أغضبونا . ثم قال تعالى : { ٱنتَقَمْنَا مِنْهُمْ } واعلم أن ذكر لفظ الأسف في حق الله تعالى محال وذكر لفظ الانتقام وكل واحد منهما من المتشابهات التي يجب أن يصار فيها إلى التأويل ، ومعنى الغضب في حق الله إرادة العقاب ، ومعنى الانتقام إرادة العقاب لجرم سابق . ثم قال تعالى : { فَجَعَلْنَـٰهُمْ سَلَفاً وَمَثَلاً } السلف كل شيء قدمته من عمل صالح أو قرض فهو سلف والسلف أيضاً من تقدم من آبائك وأقاربك واحدهم سالف ، ومنه قول طفيل يرثي قومه : @ مضواً سلفاً قصد السبيل عليهم وصرف المنايا بالرجال تقلب @@ فعلى هذا قال الفراء والزجاج يقول : جعلناهم متقدمين ليتعظ بهم الآخرون ، أي جعلناهم سلفاً لكفار أمة محمد عليه السلام . وأكثر القراء قرأوا بالفتح وهو جمع سالف كما ذكرناه ، وقرأ حمزة والكسائي { سَلَفاً } بالضم وهو جمع سلف ، قال الليث : يقال سلف بضم اللام يسلف سلوفاً فهو سلف أي متقدم ، وقوله { وَمَثَلاً للأَخِرِينَ } يريد عظة لمن بقي بعدهم وآية وعبرة ، قال أبو علي الفارسي المثل واحد يراد به الجمع ، ومن ثم عطف على سلف ، والدليل على وقوعه على أكثر من واحد قوله تعالى : { ضَرَبَ ٱللَّهُ مَثَلاً عَبْدًا مَّمْلُوكًا لاَّ يَقْدِرُ عَلَىٰ شَىْء وَمَن رَّزَقْنَاهُ } [ النحل : 75 ] فأدخل تحت المثل شيئين ، والله أعلم .