Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 47, Ayat: 28-28)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله تعالى : { ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ ٱتَّبَعُواْ مَا أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ } وفيه لطيفة ، وهي أن الله تعالى ذكر أمرين : ضرب الوجه ، وضرب الأدبار ، وذكر بعدهما أمرين آخرين : اتباع ما أسخط الله وكراهة رضوانه ، فكأنه تعالى قابل الأمرين فقال : يضربون وجوههم حيث أقبلوا على سخط الله ، فإن المتسع للشيء متوجه إليه ، ويضربون أدبارهم لأنهم تولوا عما فيه رضا الله ، فإن الكاره للشيء يتولى عنه ، وما أسخط الله يحتمل وجوهاً الأول : إنكار الرسول عليه الصلاة والسلام ورضوانه الإقرار به والإسلام الثاني : الكفر هو ما أسخط الله والإيمان يرضيه يدل عليه قوله تعالى : { إِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِىٌّ عَنكُمْ وَلاَ يَرْضَىٰ لِعِبَادِهِ ٱلْكُفْرَ وَإِن تَشْكُرُواْ يرضَهُ لَكُمْ } [ الزمر : 7 ] وقال تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ أُوْلَـئِكَ هُمْ خَيْرُ ٱلْبَرِيَّةِ } إلى أن قال : { رَّضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ } [ البينة : 7 ، 8 ] الثالث : ما أسخط الله تسويل الشيطان ، ورضوان الله التعويل على البرهان والقرآن ، فإن قيل هم ما كانوا يكرهون رضوان الله ، بل كانوا يقولون : إن ما نحن عليه فيه رضوان الله ، ولا نطلب إلا رضاء الله ، وكيف لا والمشركون بإشراكهم كانوا يقولون : إنا نطلب رضاء الله . كما قالوا { لِيُقَرّبُونَا إِلَى ٱللَّهِ زُلْفَى } [ الزمر : 3 ] وقالوا { فَيَشْفَعُواْ لَنَا } [ الأعراف : 53 ] فنقول معناه كرهوا ما فيه رضاء الله تعالى . وفيه لطيفة وهي أن الله تعالى قال : { مَا أَسْخَطَ ٱللَّهَ } ولم يقل : ما أرضى الله وذلك لأن رحمة الله سابقة ، فله رحمة ثابتة وهي منشأ الرضوان ، وغضب الله متأخر فهو يكون على ذنب ، فقال : { رِضْوَانَهُ } لأنه وصف ثابت لله سابق ، ولم يقل سخط الله ، بل { مَا أَسْخَطَ ٱللَّهَ } إشارة إلى أن السخط ليس ثبوته كثبوت الرضوان ، ولهذا المعنى قال في اللعان في حق المرأة { وَٱلْخَامِسَةَ أَنَّ غَضَبَ ٱللَّهِ عَلَيْهَا إِن كَانَ مِنَ ٱلصَّـٰدِقِينَ } [ النور : 9 ] يقال : غضب الله مضافاً لأن لعانه قد سبق مظهر الزنا بقوله وأيمانه ، وقبله لم يكن لله غضب ، و رضوان الله أمر يكون منه الفعل ، وغضب الله أمر يكون من فعله ، ولنضرب له مثالاً : الكريم الذي رسخ الكرم في نفسه يحمله الكرم على الأفعال الحسنة ، فإذا كثر من السيء الإساءة فغضبه لا لأمر يعود إليه ، بل غضبه عليه يكون لإصلاح حالة ، وزجراً لأمثاله عن مثل فعاله ، فيقال هو كان الكريم فكرمه لما فيه من الغريزة الحسنة ، لكن فلاناً أغضبه وظهر منه الغضب ، فيجعل الغضب ظاهراً من الفعل ، والفعل الحسن ظاهراً من الكرم ، فالغضب في الكريم بعد فعل ، والفعل منه بعد كرم ، ومن هذا يعرف لطف قوله { مَا أَسْخَطَ ٱللَّهَ وَكَرِهُواْ رِضْوَانَهُ } . ثم قال تعالى : { فَأَحْبَطَ أَعْمَـٰلَهُمْ } حيث لم يطلبوا إرضاء الله ، وإنما طلبوا إرضاء الشيطان والأصنام .