Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 47, Ayat: 3-3)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وفيه مسائل : المسألة الأولى : في الباطل وجوه الأول : ما لا يجوز وجوده ، وذلك لأنهم اتبعوا إلٰهاً غير الله ، وإلٰه غير الله محال الوجود ، وهو الباطل وغاية الباطل ، لأن الباطل هو المعدوم ، يقال بطل كذا ، أي عدم ، والمعدوم الذي لا يجوز وجوده ولا يمكن أن يوجد ، ولا يجوز أن يصير حقاً موجوداً ، فهو في غاية البطلان ، فعلى هذا فالحق هو الذي لا يمكن عدمه وهو الله تعالى ، وذلك لأن الحق هو الموجود ، يقال تحقق الأمر ، أي وجد وثبت ، والموجود الذي لا يجوز عدمه هو في غاية الثبوت الثاني : الباطل الشيطان بدليل قوله تعالى : { لأَمْلاَنَّ جَهَنَّمَ مِنكَ وَمِمَّن تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ } [ صۤ : 85 ] فبيّن أن الشيطان متبوع وأتباعه هم الكفار والفجار ، وعلى هذا فالحق هو الله ، لأنه تعالى جعل في مقابلة حزب الشيطان حزب الله الثالث : الباطل ، هو قول كبرائهم ودين آبائهم ، كما قال تعالى عنهم : { إِنَّا وَجَدْنَا ءَابَاءنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَىٰ آثارهم مهتدون } [ الزحرف : 22 ] ومقتدون فعلى هذا الحق ما قاله النبي عليه السلام عن الله الرابع : الباطل كل ما سوى الله تعالى ، لأن الباطل والهالك بمعنى واحد . و { كُلُّ شَيْء هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ } [ القصص : 88 ] وعلى هذا فالحق هو الله تعالى أيضاً . المسألة الثانية : لو قال قائل من ربهم لا يلائم إلا وجهاً واحداً من أربعة أوجه ، وهو قولنا المراد من الحق هو ما أنزل الله وما قال النبي عليه السلام من الله ، فأما على قولنا الحق هو الله فكيف يصح قوله { ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبّهِمْ } نقول على هذا { مِّن رَّبِّهِمُ } لا يكون متعلقاً بالحق ، وإنما يكون تعلقه بقوله بقوله تعالى : { ٱتَّبَعُواْ } أي اتبعوا أمر ربهم ، أي من فضل الله أو هداية ربهم اتبعوا الحق ، وهو الله سبحانه . المسألة الثالثة : إذا كان الباطل هو المعدوم الذي لا يجوز وجوده ، فكيف يمكن اتباعه ؟ نقول لما كانوا يقولون إنما يفعلون للأصنام وهي آلهة وهي تؤجرهم بذلك كانوا متبعين في زعمهم ، ولا متبع هناك . المسألة الرابعة : قال في حق المؤمنين { ٱتَّبَعُواْ ٱلْحَقَّ مِن رَّبّهِمْ } وقال في حق الكفار { ٱتَّبَعُواْ ٱلْبَـٰطِلَ } من آلهتهم أو الشيطان ، نقول أما آلهتهم فلأنهم لا كلام لهم ولا عقل ، وحيث ينطقهم الله ينكرون فعلهم ، كما قال تعالى : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَـٰمَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِـكُمْ } [ فاطر : 14 ] وقال تعالى : { وَكَانُواْ بِعِبَادَتِهِمْ كَـٰفِرِينَ } [ الأحقاف : 6 ] والله تعالى رضي بفعلهم وثبتهم عليه ، ويحتمل أن يقال قوله { مّن رَّبّهِمُ } عائد إلى الأمرين جميعاً ، أي من ربهم اتبع هؤلاء الباطل ، وهؤلاء الحق ، أي من حكم ربهم ، ومن عند ربهم . ثم قال تعالى : { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـٰلَهُمْ } وفيه أيضاً مسائل : المسألة الأولى : أي مثل ضربه الله تعالى حتى يقول { كَذَلِكَ يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـٰلَهُمْ } ؟ نقول فيه وجهان أحدهما : إضلال أعمال الكفار وتكفير سيئات الأبرار الثاني : كون الكافر متبعاً للباطل ، وكون المؤمن متبعاً للحق ، ويحتمل وجهين آخرين أحدهما : على قولنا { مّن رَّبّهِمُ } أي من عند ربهم اتبع هؤلاء الباطل وهؤلاء الحق ، نقول هذا مثل يضرب عليه جميع الأمثال ، فإن الكل من عند الله الإضلال وغيره والاتباع وغيره وثانيهما : هو أن الله تعالى لما بيّن أن الكافر يضل الله عمله والمؤمن يكفر الله سيئاته ، وكان بين الكفر والإيمان مباينة ظاهرة فإنهما ضدان ، نبه على أن السبب كذا أي ليس الإضلال والتكفير بسبب المضادة والاختلاف بل بسبب اتباع الحق والباطل ، وإذا علم السبب فالفعلان قد يتحدان صورة وحقيقة وأحدهما يورث إبطال الأعمال والآخر يورث تكفير السيئات بسبب أن أحدهما يكون فيه اتباع الحق والآخر اتباع الباطل ، فإن من يؤمن ظاهراً وقلبه مملوء من الكفر ، ومن يؤمن بقلبه وقلبه مملوء من الإيمان اتحد فعلاهما في الظاهر ، وهما مختلفان بسبب اتباع الحق واتباع الباطل ، لا بدع من ذلك فإن من يؤمن ظاهراً وهو يسر الكفر ، ومن يكفر ظاهراً بالإكراه وقلبه مطمئن بالإيمان اختلف الفعلان في الظاهر ، وإبطال الأعمال لمن أظهر الإيمان بسبب أن اتباع الباطل من جانبه فكأنه تعالى قال الكفر والإيمان مثلان يثبت فيهما حكمان وعلم سببه ، وهو اتباع الحق والباطل ، فكذلك اعلموا أن كل شيء اتبع فيه الحق كان مقبولاً مثاباً عليه ، وكل أمر اتبع فيه الباطل كان مردوداً معاقباً عليه فصار هذا عاماً في الأمثال ، على أنا نقول قوله { كَذٰلِكَ } لا يستدعي أن يكون هناك مثل مضروب بل معناه أنه تعالى لما بيّن حال الكافر وإضلال أعماله وحال المؤمن وتكفير سيئاته وبيّن السبب فيهما ، كان ذلك غاية الإيضاح فقال : { كَذٰلِكَ } أي مثل هذا البيان { يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـٰلَهُمْ } ويبين لهم أحوالهم . المسألة الثانية : الضمير في قوله { أَمْثَـٰلَهُمْ } عائد إلى من ؟ فيه وجهان : أحدهما : إلى الناس كافة قال تعالى : { يَضْرِبُ ٱللَّهُ لِلنَّاسِ أَمْثَـٰلَهُمْ } على أنفسهم وثانيهما : إلى الفريقين السابقين في الذكر معناه : يضرب الله للناس أمثال الفريقين السابقين .