Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 18-19)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
اعلم أن طاعة كل واحد منهما طاعة الآخر فجمع بينهما بياناً لطاعة الله ، فإن الله تعالى لو قال : ومن يطع الله ، كان لبعض الناس أن يقول : نحن لا نرى الله ولا نسمع كلامه ، فمن أين نعلم أمره حتى نطيعه ؟ فقال طاعته في طاعة رسوله وكلامه يسمع من رسوله . ثم قال : { وَمَن يَتَوَلَّ } أي بقلبه ، ثم لما بيّن حال المخلفين بعد قوله { إِنَّ ٱلَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ ٱللَّهَ } [ الفتح : 10 ] عاد إلى بيان حالهم وقال : { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } من الصدق كما علم ما في قلوب المنافقين من المرض { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } حتى بايعوا على الموت ، وفيه معنى لطيف وهو أن الله تعالى قال قبل هذه الآية { وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّـٰتٍ } [ الفتح : 17 ] فجعل طاعة الله والرسول علامة لإدخال الله الجنة في تلك الآية ، وفي هذه الآية بيّن أن طاعة الله والرسول وجدت من أهل بيعة الرضوان ، أما طاعة الله فالإشارة إليها بقوله { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } وأما طاعة الرسول فبقوله { إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } بقي الموعود به وهو إدخال الجنة أشار إليه بقوله تعالى : { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ } لأن الرضا يكون معه إدخال الجنة كما قال تعالى : { وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّـٰتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَـٰرُ خَـٰلِدِينَ فِيهَا رَضِيَ ٱللَّهُ عَنْهُمْ } [ المجادلة : 22 ] . ثم قال تعالى : { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } والفاء للتعقيب وعلم الله قبل الرضا لأنه علم ما في قلوبهم من الصدق فرضي عنهم فكيف يفهم التعقيب في العلم ؟ نقول قوله { فَعَلِمَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ } متعلق بقوله { إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ } كما يقول القائل فرحت أمس إذ كلمت زيداً فقام إليّ ، أو إذ دخلت عليه فأكرمني ، فيكون الفرح بعد الإكرام ترتيباً كذلك ، ههنا قال تعالى : { لَّقَدْ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنِ ٱلْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ ٱلشَّجَرَةِ فَعَلِمَ مَا فِى قُلُوبِهِمْ } من الصدق إشارة إلى أن الرضا لم يكن عند المبايعة فحسب ، بل عند المبايعة التي كان معها علم الله بصدقهم ، والفاء في قوله { فَأنزَلَ ٱلسَّكِينَةَ عَلَيْهِمْ } للتعقيب الذي ذكرته فإنه تعالى رضي عنهم فأنزل السكينة عليهم ، وفي علم بيان وصف المبايعة بكونها معقبة بالعلم بالصدق الذي في قلوبهم وهذا توفيق لا يتأتى إلا لمن هداه الله تعالى إلى معاني كتابه الكريم وقوله تعالى : { وَأَثَـٰبَهُمْ فَتْحاً قَرِيباً } هو فتح خيبر { وَمَغَانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَهَا } مغانمها وقيل مغانم هجر { وَكَانَ ٱللَّهُ عَزِيزاً } كامل القدرة غنياً عن إعانتكم إياه { حَكِيماً } حيث جعل هلاك أعدائه على أيديكم ليثيبكم عليه أو لأن في ذلك إعزاز قوم وإذلال آخرين ، فإنه يذل من يشاء بعزته ويعز من يشاء بحكمته .