Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 48, Ayat: 8-9)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قال المفسرون : { شَـٰهِداً } على أمتك بما يفعلون كما قال تعالى : { وَيَكُونَ ٱلرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا } [ البقرة : 143 ] والأولى أن يقال إن الله تعالى قال : { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً } وعليه يشهد أنه لا إلٰه إلا الله كما قال تعالى : { شَهِدَ ٱللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ وَٱلْمَلَـٰئِكَةُ وَأُوْلُواْ ٱلْعِلْمِ } [ آل عمران : 18 ] وهم الأنبياء عليهم السلام ، الذين آتاهم الله علماً من عنده وعلمهم ما لم يكونوا يعلمون ، ولذلك قال تعالى : { فَٱعْلَمْ أَنَّهُ لاَ إِلَـٰهَ إِلا ٱللَّهِ } [ محمد : 19 ] أي فاشهد وقوله { وَمُبَشِّراً } لمن قبل شهادته وعمل بها ويوافقه فيها { وَنَذِيرًا } لمن رد شهادته ويخالفه فيها ثم بيّن فائدة الإرسال على الوجه الذي ذكره فقال : { لّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلاً } وهذا يحتمل وجهين : أحدهما : أن تكون الأمور الأربعة المذكورة مرتبة على الأمور المذكورة من قبل فقوله { لّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ } مرتب على قوله { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ } لأن كونه مرسلاً من الله يقتضي أن يؤمن المكلف بالله والمرسل وبالمرسل وقوله { شَـٰهِداً } يقتضي أن يعزر الله ويقوي دينه لأن قوله { شَـٰهِداً } على ما بينا معناه أنه يشهد أنه لا إلٰه إلا هو فدينه هو الحق وأحق أن يتبع وقوله { مُبَشِّرًا } يقتضي أن يوقر الله لأن تعظيم الله عنده على شبه تعظيم الله إياه . وقوله { نَذِيراً } يقتضي أن ينزه عن السوء والفحشاء مخافة عذابه الأليم وعقابه الشديد ، وأصل الإرسال مرتب على أصل الإيمان ووصف الرسول يترتب عليه وصف المؤمن وثانيهما : أن يكون كل واحد مقتضياً للأمور الأربعة فكونه مرسلاً يقتضي أن يؤمن المكلف بالله ورسوله ويعزره ويوقره ويسبحه ، وكذلك كونه { شَـٰهِداً } بالوحدانية يقتضي الأمور المذكورة ، وكذلك كونه { مُبَشِّرًا وَنَذِيرًا } لا يقال إن اقتران اللام بالفعل يستدعي فعلاً مقدماً يتعلق به ولا يتعلق بالوصف وقوله { لّتُؤْمِنُواْ } يستدعي فعلاً وهو قوله { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ } فكيف تترتب الأمور على كونه { شَاهِداً وَمُبَشِّراً } لأنا نقول يجوز الترتيب عليه معنى لا لفظاً ، كما أن القائل إذا قال بعثت إليك عالماً لتكرمه فاللفظ ينبىء عن كون البعث سبب الإكرام ، وفي المعنى كونه عالماً هو السبب للإكرام ، ولهذا لو قال بعثت إليك جاهلاً لتكرمه كان حسناً ، وإذا أردنا الجمع بين اللفظ والمعنى نقول : الإرسال الذي هو إرسال حال كونه شاهداً كما تقول بعث العالم سبب جعله سبباً لا مجرد البعث ، ولا مجرد العالم ، في الآية مسائل : المسألة الأولى : قال في الأحزاب { إِنَّا أَرْسَلْنَـٰكَ شَاهِداً وَمُبَشّراً وَنَذِيراً * وَدَاعِياً إِلَى ٱللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجاً مُّنِيراً } [ الأحزاب : 45 ، 46 ] وههنا اقتصر على الثلاثة من الخمسة فما الحكمة فيه ؟ نقول الجواب عنه من وجهين أحدهما : أن ذلك المقام كان مقام ذكره لأن أكثر السورة في ذكر الرسول صلى الله عليه وسلم وأحواله وما تقدمه من المبايعة والوعد والدخول ففصل هنالك ، ولم يفصل ههنا ثانيهما : أن نقول الكلام مذكور ههنا لأن قوله { شَـٰهِداً } لما لم يقتض أن يكون داعياً لجواز أن يقول مع نفسه أشهد أن لا إلٰه إلا الله ، ولا يدعو الناس قال هناك وداعياً لذلك ، وههنا لما لم يكن كونه { شَـٰهِداً } منبئاً عن كونه داعياً قال : { لّتُؤْمِنُواْ بِٱللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ } دليل على كونه سراجاً لأنه أتى بما يجب من التعظيم والاجتناب عما يحرم من السوء والفحشاء بالتنزيه وهو التسبيح . المسألة الثانية : قد ذكرنا مراراً أن اختيار البكرة والأصيل يحتمل أن يكون إشارة إلى المداومة ، ويحتمل أن يكون أمراً بخلاف ما كان المشركون يعملونه فإنهم كانوا يجتمعون على عبادة الأصنام في الكعبة بكرةً وعشية فأمروا بالتسبيح في أوقات كانوا يذكرون فيها الفحشاء والمنكر . المسألة الثالثة : الكنايات المذكور في قوله تعالى : { وَتُعَزّرُوهُ وَتُوَقّرُوهُ وَتُسَبّحُوهُ } راجعة إلى الله تعالى أو إلى الرسول عليه الصلاة والسلام ؟ والأصح هو الأول .