Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 10-10)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

ثم قال تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } تتميماً للإرشاد وذلك لأنه لما قال : { وَإِن طَائِفَتَانِ مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ ٱقْتَتَلُواْ } [ الحجرات : 9 ] كان لظان أن يظن أو لمتوهم أن يتوهم أن ذلك عند اختلاف قوم ، فأما إذا كان الاقتتال بين اثنين فلا تعم المفسدة فلا يؤمر بالإصلاح ، وكذلك الأمر بالإصلاح هناك عند الاقتتال ، وأما إذا كان دون الاقتتال كالتشاتم والتسافه فلا يجب الإصلاح فقال : { بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } وإن لم تكن الفتنة عامة وإن لم يكن الأمر عظيماً كالقتال بل لو كان بين رجلين من المسلمين أدنى اختلاف فاسعوا في الإصلاح . وقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ } فيه مسائل : المسألة الأولى : قوله تعالى : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } قال بعض أهل اللغة الأخوة جمع الأخ من النسب والإخوان جمع الأخ من الصداقة ، فالله تعالى قال : { إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ } تأكيداً للأمر وإشارة إلى أن ما بينهم ما بين الأخوة من النسب والإسلام كالأب ، قال قائلهم : @ أبي الإسلام لا أب لي سواه إذا افتخروا بقيس أو تميم @@ المسألة الثانية : عند إصلاح الفريقين والطائفتين لم يقل اتقوا ، وقال ههنا اتقوا مع أن ذلك أهم ؟ نقول الفائدة هو أن الاقتتال بين طائفتين يفضي إلى أن تعم المفسدة ويلحق كل مؤمن منها شيء وكل يسعى في الإصلاح لأمر نفسه فلم يؤكد بالأمر بالتقوى ، وأما عند تخاصم رجلين لا يخاف الناس ذلك وربما يزيد بعضهم تأكد الخصام بين الخصوم لغرض فاسد فقال : { فَأَصْلِحُواْ بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } أو نقول قوله { فَأَصْلِحُواْ } إشارة إلى الصلح ، وقوله { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ } إشارة إلى ما يصونهم عن التشاجر ، لأن من اتقى الله شغله تقواه عن الاشتغال بغيره ، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم : " " المسلم من سلم الناس من لسانه و يده " " لأن المسلم يكون منقاداً لأمر الله مقبلاً على عباد الله فيشغله عيبه عن عيوب الناس ويمنعه أن يرهب الأخ المؤمن ، وإليه أشار النبي صلى الله عليه وسلم : " " المؤمن من يأمن جاره بوائقه " " يعني اتق الله فلا تتفرغ لغيره . المسألة الثالثة : { إِنَّمَا } للحصر أي لا أخوة إلا بين المؤمنين ، وأما بين المؤمن والكافر فلا ، لأن الإسلام هو الجامع ولهذا إذا مات المسلم وله أخ كافر يكون ماله للمسلمين ولا يكون لأخيه الكافر ، وأما الكافر فكذلك لأن في النسب المعتبر الأب الذي هو أب شرعاً ، حتى أن ولدي الزنا من رجل واحد لا يرث أحدهما الآخر ، فكذلك الكفر كالجامع الفاسد فهو كالجامع العاجز لا يفيد الأخوة ، ولهذا من مات من الكفر وله أخ مسلم ولا وارث له من النسب لا يجعل ماله للكفار ، ولو كان الدين يجمعهم لكان مال الكافر للكفار ، كما أن مال المسلم للمسلمين عند عدم الوارث ، فإن قيل قد ثبت أن الأخوة للإسلام أقوى من الأخوة النسبية ، بدليل أن المسلم يرثه المسلمون ولا يرثه الأخ الكافر من النسب ، فلم لم يقدموا الأخوة الإسلامية على الأخوة النسبية مطلقاً حتى يكون مال المسلم للمسلمين لا لأخوته من النسب ؟ نقول هذا سؤال فاسد ، وذلك لأن الأخ المسلم إذا كان أخاً من النسب فقد اجتمع فيه أخوتان فصار أقوى والعصوبة لمن له القوة ، ألا ترى أن الأخ من الأبوين يرث ولا يرث الأخ من الأب معه فكذلك الأخ المسلم من النسب له أخوتان فيقدم على سائر المسلمين ، والله أعلم . المسألة الرابعة : قال النحاة ما في هذا الموضع كافة تكف إن عن العمل ، ولولا ذلك لقيل : إنما المؤمنين إخوة ، وفي قوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 159 ] وقوله { عَمَّا قَلِيلٍ } [ المؤمنون : 40 ] ليست كافة . والسؤال الأقوى هو أن رب من حروف الجر والباء وعن كذلك ، وما في رب كافة وفي عما وبما ليست كافة ، والتحقيق فيه هو أن الكلام بعد ربما وإنما يكون تاماً ، ويمكن جعله مستقلاً ولو حذف ربما وإنما لم ضر ، فنقول ربما قام الأمير وربما زيد في الدار ، ولو حذفت ربما وقلت زيد في الدار وقام الأمير لصح ، وكذلك في إنما ولكنما ، وأما عما وبما فليست كذلك ، لأن قوله تعالى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } لو أذهبت بما وقلت رحمة من الله لنت لهم ، لما كان كلاماً فالباء يعد تعلقها بما يحتاج إليها فهي باقية حقيقة ، ولكنما وإنما وربما لما استغنى عنها فكأنها لم يبق حكمها ولا عمل للمعدوم ، فإن قيل إن إذا لم تكف بما فما بعده كلام تام ، فوجب أن لا يكون له عمل تقول إن زيداً قائم ولو قلت زيد قائم لكفى وتم ؟ نقول : ليس كذلك لأن ما بعد إن جاز أن يكون نكرة ، تقول إن رجلاً جاءني وأخبرني بكذا وأخبرني بعكسه ، وتقول جاءني رجل وأخبرني ، ولا يحسن إنما رجل جاءني كما لو لم تكن هناك إنما ، وكذلك القول في بينما وأينما فإنك لو حذفتهما واقتصرت على ما يكون بعدهما لا يكون تاماً فلم يكف ، والكلام في لعل قد تقدم مراراً .