Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 49, Ayat: 14-14)

Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

لما قال تعالى : { إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ } [ الحجرات : 13 ] والأتقى لا يكون إلا بعد حصول التقوى ، وأصل الإيمان هو الاتقاء من الشرك ، قالت الأعراب لنا النسب الشريف ، وإنما يكون لنا الشرف ، قال الله تعالى : ليس الإيمان بالقول ، إنما هو بالقلب فما آمنتم لأنه خبير يعلم ما في الصدور ، { وَلَـٰكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } أي انقدنا واستسلمنا ، قيل إن الآية نزلت في بني أسد ، أظهروا الإسلام في سنة مجدبة طالبين الصدقة ولم يكن قلبهم مطمئناً بالإيمان ، وقد بينا أن ذلك كالتاريخ للنزول لا للاختصاص بهم ، لأن كل من أظهر فعل المتقين وأراد أن يصير له ما للأتقياء من الإكرام لا يحصل له ذلك ، لأن التقوى من عمل القلب ، وقوله تعالى : { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } في تفسيره مسائل : المسألة الأولى : قال تعالى : { وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ ٱلسَّلَـٰمَ لَسْتَ مُؤْمِناً } [ النساء : 94 ] وقال ههنا { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } مع أنهم ألقوا إليهم السلام ، نقول إشارة إلى أن عمل القلب غير معلوم واجتناب الظن واجب ، وإنما يحكم بالظاهر فلا يقال لمن يفعل فعلاً هو مرائي ، ولا لمن أسلم هو منافق ، ولكن الله خبير بما في الصدور ، إذا قال فلان ليس بمؤمن حصل الجزم ، وقوله تعالى : { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } فهو الذي جوز لنا ذلك القول ، وكان معجزة للنبي صلى الله عليه وسلم حيث أطلعه الله على الغيب وضمير قلوبهم ، فقال لنا : أنتم لا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً لعدم علمكم بما في قلبه . المسألة الثانية : لم ولما حرفا نفي ، وما وإن ولا كذلك من حروف النفي ، ولم ولما يجزمان وغيرهما من حروف النفي لا يجزم ، فما الفرق بينهما ؟ نقول لم ولما يفعلان بالفعل ما لا يفعل به غيرهما ، فإنهما يغيران معناه من الاستقبال إلى المضي ، تقول لم يؤمن أمس وآمن اليوم ، ولا تقول لا يؤمن أمس ، فلما فعلا بالفعل ما لم يفعل به غيرهما جزم بهما ، فإن قيل مع هذا لم جزم بهما غاية ما في الباب أن الفرق حصل ، ولكن ما الدليل على وجوب الجزم بهما ؟ نقول لأن الجزم والقطع يحصل في الأفعال الماضية ، فإن من قال قام حصل القطع بقيامه ، ولا يجوز أن يكون ما قام والأفعال المستقبلة إما متوقعة الحصول وإما ممكنة غير متوقعة ، ولا يحصل القطع والجزم فيه ، فإذا كان لم ولما يقلبان اللفظ من الاستقبال إلى المضي كانا يفيدان الجزم والقطع في المعنى فجعل لهما تناسباً بالمعنى وهو الجزم لفظاً ، وعلى هذا نقول السبب في الجزم ما ذكرنا ، وهذا في الأمر يجزم كأنه جزم على المأمور أنه يفعله ولا يتركه ، فأي فائدة في أن اللفظ يجزم مع أن الفعل فيه لا بد من وقوعه وأن في الشرط تغير ، وذلك لأن إن تغير معنى الفعل من المضي إلى الاستقبال إن لم تغيره من الاستقبال إلى المضي ، تقول : إن جئتني جئتك ، وإن أكرمتني أكرمتك ، فلما كان إن مثل لم في كونه حرفاً ، وفي لزوم الدخول على الأفعال وتغييره معنى الفعل صار جازماً لشبه لفظي ، أما الجزاء فجزم لما ذكرنا من المعنى ، فإن الجزاء يجزم بوقوعه عند وجود الشرط ، فالجزم إذاً إما لمعنى أو لشبه لفظي ، كما أن الجزاء كذلك في الإضافة وفي الجر بحرف . المسألة الثالثة : قوله تعالى : { وَلَـٰكِن قُولُواْ } يقتضي قولاً سابقاً مخالفاً لما بعده ، كقولنا لا تقدموا آمنا ولكن قولوا أسلمنا وفي ترك التصريح به إرشاد وتأديب كأنه تعالى لم يجز النهي عن قولهم { آمنا } فلم يقل لا تقولوا آمنا وأرشدهم إلى الامتناع عن الكذب فقال : { لَّمْ تُؤْمِنُواْ } فإن كنتم تقولون شيئاً فقولوا أمراً عاماً ، لا يلزم منه كذبكم وهو كقولهم { أَسْلَمْنَا } فإن الإسلام بمعنى الانقياد حصل . المسألة الرابعة : المؤمن والمسلم واحد عند أهل السنة ، فكيف يفهم ذلك مع هذا ؟ نقول بين العام والخاص فرق ، فالإيمان لا يحصل إلا بالقلب وقد يحصل باللسان ، والإسلام أعم لكن العام في صورة الخاص متحد مع الخاص ولا يكون أمراً آخر غيره ، مثاله الحيوان أعم من الإنسان لكن الحيوان في صورة الإنسان ليس أمراً ينفك عن الإنسان ولا يجوز أن يكون ذلك الحيوان حيواناً ولا يكون إنساناً ، فالعام والخاص مختلفان في العموم متحدان في الوجود ، فكذلك المؤمن والمسلم ، وسنبين ذلك في تفسير قوله تعالى : { فَأَخْرَجْنَا مَن كَانَ فِيهَا مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ * فَمَا وَجَدْنَا فِيهَا غَيْرَ بَيْتٍ مّنَ ٱلْمُسْلِمِينَ } [ الذاريات : 35 - 36 ] إن شاء الله تعالى . المسألة الخامسة : قوله تعالى : { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَـٰنُ فِي قُلُوبِكُمْ } هل فيه معنى قوله تعالى : { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } ؟ نقول نعم وبيانه من وجوه الأول : هو أنهم لما قالوا آمنا وقيل لهم { لَّمْ تُؤْمِنُواْ وَلَـٰكِن قُولُواْ أَسْلَمْنَا } قالوا إذا أسلمنا فقد آمنا ، قيل لا فإن الإيمان من عمل القلب لا غير والإسلام قد يكون عمل اللسان ، وإذا كان ذلك عمل القلب ولم يدخل في قلوبكم الإيمان لم تؤمنوا الثاني : لما قالوا آمنا وقيل لهم لم تؤمنوا قالوا جدلاً قد آمنا عن صدق نية مؤكدين لما أخبروا فقال : { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَـٰنُ فِي قُلُوبِكُمْ } لأن لما يفعل يقال في مقابلة قد فعل ، ويحتمل أن يقال بأن الآية فيها إشارة إلى حال المؤلفة إذا أسلموا ويكون إيمانهم بعده ضعيفاً قال لهم { لَّمْ تُؤْمِنُواْ } لأن الإيمان إيقان وذلك بعد لم يدخل في قلوبكم وسيدخل باطلاعكم على محاسن الإسلام { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ } يكمل لكم الأجر ، والذي يدل على هذا هو أن لما فيها معنى التوقع والانتظار ، والإيمان إما أن يكون بفعل المؤمن واكتسابه ونظره في الدلائل ، وإما أن يكون إلهاماً يقع في قلب المؤمن فقوله { قُل لَّمْ تُؤْمِنُواْ } أي ما فعلتم ذلك ، وقوله تعالى : { وَلَمَّا يَدْخُلِ ٱلإِيمَـٰنُ فِي قُلُوبِكُمْ } أي ولا دخل الإيمان في قلبكم إلهاماً من غير فعلكم فلا إيمان لكم حينئذ . ثم إنه تعالى عند فعلهم قال : { لَّمْ تُؤْمِنُواْ } بحرف ليس فيه معنى الانتظار لقصور نظرهم وفتور فكرهم ، وعند فعل الإيمان قال لما يدخل بحرف فيه معنى التوقع لظهور قوة الإيمان ، كأنه يكاد يغشي القلوب بأسرها . ثم إنه تعالى قال : { وَإِن تُطِيعُواْ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُ لاَ يَلِتْكُمْ } أي لا ينقصكم والمراد أنكم إذا أتيتم بما يليق بضعفكم من الحسنة فهو يؤتيكم ما يليق به من الجزاء ، وهذا لأن من حمل إلى ملك فاكهة طيبة يكون ثمنها في السوق درهماً ، وأعطاه الملك درهماً أو ديناراً ينسب الملك إلى قلة العطاء بل البخل ، فليس معناه أنه يعطي مثل ذلك من غير نقص ، بل المعنى يعطي ما تتوقعون بأعمالكم من غير نقص . وفيه تحريض على الإيمان الصادق ، لأن من أتى بفعل من غير صدق نية يضيع عمله ولا يعطي عليه أجراً فقال : وإن تطيعوا وتصدقوا لا ينقص عليكم ، فلا تضيعوا أعمالكم بعدم الإخلاص ، وفيه أيضاً تسلية لقلوب من تأخر إيمانه ، كأنه يقول غيري سبقني وآمن حين كان النبي وحيداً وآواه حين كان ضعيفاً ، ونحن آمنا عندما عجزنا عن مقاومته وغلبنا بقوته ، فلا يكون لإيماننا وقع ولا لنا عليه أجر ، فقال تعالى إن أجركم لا ينقص وما تتوقعون تعطون ، غاية ما في الباب أن التقدم يزيد في أجورهم ، وماذا عليكم إذا أرضاكم الله أن يعطي غيركم من خزائن رحمته رحمة واسعة ، وما حالكم في ذلك إلا حال ملك أعطى واحداً شيئاً وقال لغيره ماذا تتمنى ؟ فتمنى عليه بلدة واسعة وأموالاً فأعطاه ووفاه ، ثم زاد ذلك الأول أشياء أخرى من خزائنه فإن تأذى من ذلك يكون بخلاً وحسداً ، وذلك في الآخرة لا يكون ، وفي الدنيا هو من صفة الأرازل ، وقوله تعالى : { إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ } أي يغفر لكم ما قد سلف ويرحمكم بما أتيتم به .