Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 49, Ayat: 8-8)
Tafsir: ʿArāʾis al-bayān fī ḥaqāʾiq al-Qurʾān
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
فيه مسائل : المسألة الأولى : نصب فضلاً لأجل أمور ، إما لكونه مفعولاً له ، وفيه وجهان أحدهما : أن العامل فيه هو الفعل الذي في قوله { ٱلرشِدُونَ } فإن قيل : كيف يجوز أن يكون فضل الله الذي هو فعل الله مفعولاً له بالنسبة إلى الرشد الذي هو فعل العبد ؟ نقول لما كان الرشد توفيقاً من الله كان كأنه فعل الله فكأنه تعالى أرشدهم فضلاً ، أي يكون متفضلاً عليهم منعماً في حقهم والوجه الثاني : هو أن العامل فيه هو قوله { حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَـٰنَ … وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ ٱلْكُفْرَ } [ الحجرات : 7 ] فضلاً وقوله { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلرشِدُونَ } [ الحجرات : 7 ] جملة اعترضت بين الكلامين أو يكون العامل فعلاً مقدراً ، فكأنه قال تعالى جرى ذلك فضلاً من الله ، وإما لكونه مصدراً ، وفيه وجهان أحدهما : أن يكون مصدراً من غير اللفظ ولأن الرشد فضل فكأنه قال أولئك هم الراشدون رشداً وثانيهما : هو أن يكون مصدراً لفعل مضمر ، كأنه قال حبب إليكم الإيمان وكره إليكم الكفر فأفضل فضلاً وأنعم نعمة ، والقول بكونه منصوباً على أنه مفعول مطلق وهو المصدر ، أو مفعول له قول الزمخشري ، وإما أن يكون فضلاً مفعولاً به ، والفعل مضمراً دل عليه قوله تعالى : { أُوْلَـئِكَ هُمُ ٱلرشِدُونَ } أي يبتغون فضلاً من الله ونعمة . المسألة الثانية : ما الفرق بين الفضل والنعمة في الآية ؟ نقول فضل الله إشارة إلى ما عنده من الخير وهو مستغن عنه ، والنعمة إشارة إلى ما يصل إلى العبد وهو محتاج إليه ، لأن الفضل في الأصل ينبىء عن الزيادة ، وعنده خزائن من الرحمة لا لحاجة إليها ، ويرسل منها على عباده ما لا يبقون معه في ورطة الحاجة بوجه من الوجوه ، والنعمة تنبىء عن الرأفة والرحمة وهو من جانب العبد ، وفيه معنى لطيف وهو تأكيد الإعطاء ، وذلك لأن المحتاج يقول للغني : أعطني ما فضل عنك وعندك ، وذلك غير ملتفت إليه وأنابه قيامي وبقائي ، فإذن قوله { فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ } إشارة إلى ما هو من جانب الله الغني ، والنعمة إشارة إلى ما هو من جانب العبد من اندفاع الحاجة ، وهذا مما يؤكد قولنا فضلاً منصوب بفعل مضمر ، وهو الابتغاء والطلب . المسألة الثالثة : ختم الآية بقوله { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ } فيه مناسبات عدة منها أنه تعالى لما ذكر نبأ الفاسق ، قال إن يشتبه على المؤمن كذب الفاسق فلا تعتمدوا على ترويجه عليكم الزور ، فإن الله عليم ، ولا تقولوا كما كان عادة المنافق لولا يعذبنا الله بما نقول ، فإن الله حكيم لا يفعل إلا على وفق حكمته وثانيها : لما قال الله تعالى : { وَٱعْلَمُواْ أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ ٱللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ } [ الحجرات : 7 ] بمعنى لا يطيعكم ، بل يتبع الوحي ، قال فإن الله من كونه عليماً يعلمه ، ومن كونه حكيماً يأمره بما تقتضيه الحكمة فاتبعوه ثالثها : المناسبة التي بين قوله تعالى : { عَلِيمٌ حَكِيمٌ } وبين قوله { حَبَّبَ إِلَيْكُمُ ٱلإِيمَـٰنَ } أي حبب بعلمه الإيمان لأهل الإيمان ، واختار له من يشاء بحكمته رابعها : وهو الأقرب ، وهو أنه سبحانه وتعالى قال : { فَضْلاً مّنَ ٱللَّهِ وَنِعْمَةً } ولما كان الفضل هو ما عند الله من الخير المستغني عنه ، قال تعالى هو عليم بما في خزائن رحمته من الخير ، وكانت النعمة هو ما يدفع به حاجة العبد ، قال هو حكيم ينزل الخير بقدر ما يشاء على وفق الحكمة .